الخميس، أغسطس ٣٠، ٢٠٠٧

التوريث والأحزاب الاسلامية



في الممنــوع بقلم مجدى مهنا


وسط حصار إعلامي، تم فيه منع الصحفيين ووسائل الإعلام من حضور لقاء جمال مبارك، أمين السياسات بالحزب الوطني، بطلبة الجامعات في مكتبة الإسكندرية أمس الأول «الثلاثاء»، وسمح فيه للتليفزيون المصري فقط بتسجيل وإذاعة لقطات منه، وتوزيع خبر بصيغة واحدة علي الصحف القومية، بثته وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية.
لقاء جمال مبارك طلبة الجامعات، هو نفسه اللقاء السنوي الذي يعقده الرئيس حسني مبارك، بصفته رئيسا للجمهورية، مع طلبة الجامعات في الإسكندرية.. ويدور فيه نقاش بين الرئيس والطلبة حول مختلف الموضوعات والقضايا، ويتم فيه توزيع الأسئلة علي الطلبة بمعرفة وزير التعليم العالي.
في لقاء أمس الأول.. من المؤكد أن مصر كلها تتحدث اليوم عن طبيعة هذا اللقاء، وطرح العديد من التساؤلات.. إجاباتها كلها مفتوحة، ويبدو أن هذا مقصود في حد ذاته.. أي أن المقصود طرح هذه التساؤلات، حتي يتم رصد موقف الرأي العام منها، لإعادة رسم الخطط والتوجيهات والسيناريوهات المقبلة.
مثل هذا اللقاء السنوي بين الرئيس وطلبة الجامعات لا يحدث فجأة إنما له توقيت محدد من كل عام تقريبا، وهو لقاء تنفيذي وليس حزبيا، أي أنه لا يخص الحزب الوطني الحاكم، والرئيس مبارك لا يحضره بصفته رئيسا للحزب الوطني.. إنما بصفته رئيس الجمهورية.
وطبيعي أن نسأل عن الصفة التي حضر بها جمال مبارك أمين السياسات هذا اللقاء.. هل حضره بصفته الحزبية؟ الإجابة هي: لا، لأن اللقاء ليس حزبيا.
وبافتراض أنه لقاء حزبي ـ وهو ليس كذلك ـ فإن الطبيعي أن يحضره أمين عام الحزب الوطني صفوت الشريف، وليس جمال مبارك، ولأن اللقاء تنفيذي وليس حزبيا، وبافتراض أن هناك حائلا يمنع رئيس الجمهورية من حضور هذا اللقاء السنوي مع طلبة الجامعات بالإسكندرية، فإن الطبيعي أن يكلف الرئيس مبارك رئيس الوزراء بحضور اللقاء بالنيابة عنه.. وإذا كان هناك حائل يمنع رئيس الوزراء فإن التكليف سيكون لوزير التعليم العالي.
إذن ليست هناك صفة حزبية أو غير حزبية، يحق لجمال مبارك أن يحضر بها اللقاء.. إلا إذا حضره كمستمع مع الوزراء والضيوف، وليس بصفته رئيس الجمهورية.
وحسب معلوماتي، فإن جمال مبارك يشغل حتي الآن منصب أمين السياسات بالحزب الوطني.. ولا يشغل منصب رئيس الجمهورية، ولا منصب رئيس الوزراء، ولا منصب وزير التعليم العالي.. وبالتالي ليست له صفة في حضور اللقاء.
ومن المنتظر أن لقاء جمال طلبة الجامعات، سوف يجدد الشائعات مرة ثانية حول ملف التوريث وصحة الرئيس.. وبصراحة كده الشعب زهق.. وطلعت روحه من الكذب والتلاعب في هذين الملفين.
أذكر أنني في عام ٢٠٠١، التقيت اللواء هتلر طنطاوي، عندما كان يشغل منصب رئيس هيئة الرقابة الإدارية، وسألته: بأي صفة يسافر جمال مبارك مع والده في السفريات الرسمية إلي الخارج؟ وبأي صفة يشارك مع الوزراء في تلك اللقاءات الرسمية مع المسؤولين الأجانب؟
وقتها لم يعلق هتلر طنطاوي.. واقترحت عليه أن يحصل جمال مبارك علي أي منصب حزبي، يبرر له وللرأي العام دوره السياسي.. وبعد عدة شهور فكروا له في أمانة السياسات بالحزب الوطني.. لكن لم أكن أتصور أبدا أن يحضر جمال مبارك لقاء طلبة الجامعات السنوي في الإسكندرية بالنيابة عن رئيس الجمهورية.



حزب مدني ذو مرجعية إسلامية : مشكلة قانونية أم سياسية؟ بقلم د.عمرو الشوبكى
تزايد الجدل مؤخرا حول مسألة تأسيس حزب سياسي مدني يحمل مرجعية إسلامية، وتصاعدت نبرة الحيرة والقلق من قبل قطاع يعتد به من المثقفين والسياسيين، يعززها حملات تشكيك وهجوم حكومية، وتردد بعض قادة هذه الأحزاب عن حسم مجموعة من القضايا التي من شأنها أن ترفع كل لبس عن الطبيعة المدنية لهذه الأحزاب.
ومنذ رحلة الوسط المتعثرة عام ١٩٩٥ لتأسيس حزب مدني ذي مرجعية إسلامية، والحديث عن هذه النوعية من الأحزاب لا يتوقف، فهناك بعض الاجتهادات الإخوانية لتأسيس حزب مدني ذي مرجعية إسلامية، وهناك «المحاولات الجهادية» لكل من حزب الشريعة والإصلاح، الذي عاد الأول وكرر محاولة الحصول علي رخصة رغم ما في برنامجه من ثغرات، وجاءت أخيرا محاولة حزب الاتحاد من أجل الحرية، لتمثل أخيرا وليس آخرا رقما جديدا في طابور الأحزاب المدنية المرفوضة من قبل الحكم تحت حجة مرجعيتها الإسلامية.
والمؤكد أنه لن يرخص لأي من هذه الأحزاب في هذا العهد، ولن ينتقل ملف الحركات الإسلامية بكل تنوعاتها المعتدلة والمتشددة، المستنيرة والمحافظة، إلي مكان آخر غير الأجهزة الأمنية، خاصة بعد أن وضعت المادة الخامسة من الدستور قيدا علي تأسيس أحزاب علي أساس مرجعية دينية، في تناقض مع المادة الثانية التي تنص علي أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.
والسؤال المطروح لماذا الإصرار الحكومي علي رفض هذه الأحزاب بصورة قاطعة، وما هي دلالات تعددها وانتشارها؟.
المؤكد أن الرفض الحكومي لهذه الأحزاب لا يرجع إلي حرصها علي مدنية الدولة أمام ما تراه خطرا دينيا عليها من هذه الأحزاب، إنما هو في الحقيقة يرجع إلي أسباب سياسية تتعلق بعجز الحزب الحاكم عن الدخول في منافسة مع هذه الأحزاب أو غيرها من الأحزاب الجادة، لكونها أحزاباً لديها جمهور وكوادر حقيقية، وليس لكونها إسلامية، وهذا في الحقيقة أمر من الوارد تكراره مع أي حزب آخر إذا امتلك قدرات سياسية سواء كان ليبراليا أو يساريا، وربما تكون تجربة أيمن نور ذات دلالة في هذا الإطار والذي استبعد بقسوة من الساحة السياسية لأنه تجرأ علي منافسة الرئيس في الانتخابات، ومثل تهديدا حقيقيا لمشروع التوريث، رغم خلفيته السياسية الليبرالية.
والمؤكد أنه لا يوجد معيار سياسي وقانوني يعتمده النظام للحفاظ علي مدنية الدولة والنظام الجمهوري، بل إنه مسؤول عن الترويج لثقافة تغيب العقل وتروج في أحيان كثيرة لطائفية بغيضة، وتقتل روح المبادرة والعمل الجاد، بل إنه تعامل مع مخاطر حقيقية تهدد كيان الدولة وسلامتها وحقوق وكرامة موطنيها بتبلد نادر وغير مسبوق، وصار كل شيء مسموحاً به في مصر إلا المنافسة علي السلطة بدءا من التدخلات الخارجية في كل التفاصيل اليومية التي تتعلق بالدولة، وانتهاء بفرض توجهات سياسية بعينها، ويكشر الحكم عن أنيابه فقط، حين يعترض الخارج علي اعتقال معارض سياسي، أو تعذيب مواطنين، وتخرج في هذه الحالة فقط شعارات السيادة الوطنية ورفض التدخل في الشؤون الداخلية.
ومن هنا سيندهش المرء لتلك المساحة الهائلة التي حصل عليها رجال الدين الرسميون في الإعلام الحكومي، وهذا الصعود الهائل لهذا النمط الجديد من التدين الشكلي الذي قاده «الدعاة الجدد» وأفتي كثير منهم في كل صغيرة وكبيرة تخص حياة المواطنين البسطاء، حتي بدا التنفس وكأنه مطروح للفتوي إذا ما كان حلالا أم حراما، وصارت البرامج الدينية الساذجة بجوار أحاديث «الكباتن» في كرة القدم لهما تقريبا نفس الجمهور الذي يتنقل معهما بين كل قناة للتلفيزيون المصري.
والمدهش أن بعض هذه الأحاديث التي ركزت علي إصلاح السلوك الفردي تبخرت أمام وطأة الواقع السياسي المعاش وزاد حديث الدعاة الجدد عن الأخلاق في الوقت الذي انهارت في الواقع العملي، لأن إصلاح الشعوب لم يكن في أي يوم قضية أخلاقية تخص الدعاة، إنما هو تغيير في الواقع السياسي الاجتماعي والثقافي المحيط، يقوم به سياسيون بالأساس.
واختارت الحكومة دعم النمط الأول من التدين مهما كانت سطحيته وجهله لأنه بعيد عن المجال السياسي، في الوقت الذي قاومت فيه بشدة أي مشروع سياسي للتيارات الإسلامية، رغم أنها في معظمها أكثر استنارة من كل رجال الدين الرسميين الذين تركتهم الحكومة يعبثون في عقول الشعب المصري لثلاثة عقود كاملة.
أما بالنسبة لدلالة التعدد الذي تشهده هذه الأحزاب المدنية ذات المرجعية الإسلامية، فيتمثل في أن التعبير السياسي عن أي فكرة دينية أو عقائدية، سياسية أو اجتماعية، بصورة تنقلها من مصاف الفكرة النقية أو المقدسة، إلي الممارسة العملية النسبية التي تغيب عنها أي قداسة، ويكون لميول الأفراد والتجمعات دور حاسم في صياغة أفكارها وبرامجها، وتلعب خبراتهم السياسية والاجتماعية والواقع المحيط بهم دوراً حاسماً في صياغة أفكار كل حزب حتي لو قالوا جميعا إنها تستند إلي «مرجعية إسلامية».
التحدي أمام قبول هذه الأحزاب في الحياة السياسية قانوني أم سياسي؟ في الحقيقة إنه بالأساس سياسي لأن الجانب القانوني ــ وليس سياسة التفتيش في النوايا ــ يتطلب أن تقدم هذه الأحزاب برامج سياسية تعلن فيها احترامها للدستور والقانون والتزامها بالدولة المدنية وبالنظام الجمهوري وبالمواطنة، وهو ما أعلنه بشكل واضح برنامجان من هذه الأحزاب، هما برنامج حزب الوسط، وبرنامج «حزب» الإخوان، وأعلن حزب «الاتحاد من أجل الحرية» التزامه بهذه المبادئ، وبدا برنامج حزبي الشرعية والإصلاح في حاجة إلي مراجعة ليصبحا مقبولين من الناحية الدستورية والقانونية.
ولكن يبقي التحدي الحقيقي في دمج هذه التيارات سياسياً، يتطلب من الأساس نظاما حريصاً علي دولته المدنية ومؤسسات نظامه الجمهوري، التي ستصبح جميعها ضمانة كبري أمام عدم انحراف هذه الأحزاب عن الديمقراطية، وستنظم هذه المؤسسات القوية ساحة الممارسة السياسية والديمقراطية، التي ستمثل الطريق الوحيد أمام تطور وانفتاح هذه الأحزاب علي حقيقة «كوارث» الداخل وتحديات الخارج، وهذا من غير المنتظر حدوثه في ظل العهد الحالي لنبقي كما نحن بعيدين عن إصلاح في السياسة ونهضة في الاقتصاد.
وتعليق
تلقيت من السيدة جيلان المسيري تعليقا رائعا علي مقال «المتاجرون بهموم الأقباط، المصري اليوم ١٦/٨/٢٠٠٧»، تميز بالاتزان والموضوعية، وامتلك روحا نقدية لمجمل الأوضاع الإسلامية والمسيحية علي السواء، ونفس الأمر يتعلق بالسيد منير فخري عبد النور القيادي الوفدي المعروف، وهو أمر يستحق الإشادة والتحية .
أما الدكتور محمد سعداوي فقد كتب تعليقا صغيرا وذا دلالة، ويمكن وصفه بالمختصر المفيد قال فيه: «المتاجرون بهموم الأقباط نجحوا في إبطاء ماكينة القهر ضدهم ........فهل يجد المسلمون من يتاجر بهمومهم؟».
هذا التعليق يؤكد ما سبق أن حذرنا منه مرارا وتكرارا، وبدأ يشعر به جانب كبير من المسلمين، وعلينا أن نقلق من ردود الفعل المتطرفة التي يبديها بعض المسلمين بحق إخوانهم الأقباط، بدءا من جريمة الكشح وانتهاء بما جري مؤخرا في قرية بمها بالعياط، حين تصوروا أن الحكم يخشي من المسيحيين لأن لديهم حماية أمريكية