تعريف عام بجماعة الإخوان المسلمين
متى نشأت جماعة الإخوان المسلمين ؟
منذ أن نشأت الدولة الإسلامية الأولى على يد النبي صلى الله عليه وسلم يوم هجرته إلى المدينة المنوّرة، قام للمسلمين كيان رسمي، وصارت لهم مرجعيّة. وكانت هذه الدولة تزدهر حيناً وتضعف حيناً، وتتعرض لفتن داخلية أو هجوم من جهات خارجيّة، ثم تعود إلى عافيتها. واستمر ذلك أكثر من ثلاثة عشر قرناً، ثم استشرى الضعف، وعظُمت المؤامرات حتى سقطت الخلافة أخيراً على يد أتاتورك يوم 27 من رجب 1342 هـ الموافق لـ 3 من آذار 1924م، وتعرّض المسلمون بعدها إلى هجمات متتالية سياسية وعسكرية وثقافية، وظهرت فيهم دعوات غريبة علمانية، تأخذ صوراً شتّى، تتصادم مع الإسلام، وقد تلتقي معه التقاء عَرَضياً، كدعوات القوميات العربية والطورانية والفرعونية، ودعوات تحرير المرأة والتحدث بالعاميّة، والكتابة بالحرف اللاتيني، ونبذ القيم والعادات المرتبطة بالإسلام، وإتاحة الفرصة للعلمانيين والمتحلّلين لكي يبلغوا أعلى المناصب السياسية والعسكرية والاقتصاديّة، والتضييق على المسلمين المتمسّكين واضطهادهم، ونشر الموبقات وحمايتها كالرّبا والزّنى..
ولم يكن المسلمون في وضع يمكّنهم من المقاومة والتّصدي، فقد انتشر فيهم الفقر والجهل والتفكك.
وواضح أن إعادة المسلمين إلى المجد والسؤدد، وحالهم كما وصفنا، لا يمكن أن تتم طفرة واحدة، ولا يمكن أن تبدأ الخطوات الصحيحة إلى المجد إلا بجهود مضنية، وقيادة حكيمة.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف العظيم قامت جماعة الإخوان المسلمين.
وسبق قيامَها إرهاصات كانت كالمخاض لولادة الجماعة. ونعني بها مظاهر التململ من الجهل والتخلف، ومحاولات التوعية والتحرر العقلي، ومحاولات جمع الغيورين من أبناء الإسلام على العمل لنهضة إسلامية شاملة.
نذكر من هذه الإرهاصات دور محمد عبده ومدرسته في مصر، والشيخ مصطفى صبري شيخ الدولة العثمانية، وشكيب أرسلان في سورية، وجهود بعض الأدباء كمصطفى صادق الرافعي وأحمد محرم، وبعض التجمعات الإسلامية كتنظيم "الشبان المسلمين" في مصر و"دار الأرقم" في سورية.
النشأة والمضمون:
الإمام حسن البنا
يذكر الإمام حسن البنا رحمه الله ـ في رسالة المؤتمر الخامس ـ أن فَهْمه الشامل للإسلام، وتألُّم لحال المسلمين، ويقينه أن لا سعادة للناس إلا بالعودة إلى الإسلام كما أنزله الله... جعلته يسعى بين من يتوسّم فيهم الخير ليتعاون وإياهم على معالجة أدواء الأمة. يقول: "وكان أسرَعَهم مبادرة الإخوانُ الفضلاء أحمد أفندي السّكري، والمرحوم الشيخ حامد عسكرية، والشيخ أحمد عبد الحميد، وغيرهم. وكان عهد، وكان موثق، أن يعمل كلّ منا لهذه الغاية، حتّى يتحوّل العرف العام في الأمّة إلى وجهة إسلامية صالحة".
"وفي الإسماعيلية وضعت أول نواة تكوينية للفكرة، وظهرت أول هيئة متواضعة تحت اسم الإخوان المسلمين في ذي القعدة 1347هـ - نيسان ابريل 1928".
ويُبيّن الإمام البنّا فهمه للإسلام، هذا الفهم الذي قامت عليه الجماعة، ويسمّى ذلك إسلام الإخوان المسلمين فيقول ما خُلاصته:
إسلام الإخوان المسلمين:
الإمام حسن البنا
لستُ أعني بهذا التعبير أن للإخوان إسلاماً جديداً، وإنّما أريد أن أشرح فهمهم للإسلام بعد أن اختلف فهم النّاس للإسلام وتعدّد. فعامة المسلمين لا يرى في الإسلام شيئاً وراء حدود الشعائر التعبديّة، ومن النّاس من لا يرى في الإسلام إلا الخلق الفاضل والروحانيّة الفياضة، ومنهم من يرى الإسلام عقائد موروثة وعادات بالية لا بدّ من التخلّص منها، ويكثر وجود هذا الصّنف فيمن تلقّوا الثقافة الأجنبية ولم تُتَح لهم فرصة الاتصال بالحقائق الإسلامية.
كما تعددت نظرة الناس إلى الإخوان المسلمين، فمنهم من يرى الإخوان جماعة وعظيّة إرشادية، ومنهم من يتصورهم طريقة صوفية، أو يظنّهم نظرية فقهية... وقليل من الناس من أدرك حقيقة دعوة الإخوان المسلمين.
وأنا أريد أن أوضح دعوة الإخوان وفهمهم للإسلام في ثلاث نقاط:
1 - الشّمول
أحكام الإسلام تنتظم شؤون النّاس في الدنيا والآخرة. فالإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف.
وفي القرآن الكريم توجيه إلى العبادة المخلصة، وإلى الأخذ من زينة الدنيا، وإلى تنظيم شؤون الحكم والسياسة والقتال والمداينة، وفيه تشنيع على من يتّخذ الدين أجزاء وتفاريق كما فعل اليهود. قال تعالى: ( أفتؤمنونَ ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟ فما جزاءُ من يفعلُ ذلك منكم إلا خِزْيٌ في الحياة الدّنيا، ويومَ القيامة يُردّون إلى أشدِّ العذاب. وما الله بغافل عمّا تعملون). سورة البقرة: 85.
2 - الرّبانية
أساس أحكام الإسلام ومعينها كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولن تضلّ الأمة ما تمسّكت بالكتاب والسنّة، وإن كثيراً من الآراء والعلوم التي اتّصلت بالإسلام إنّما تلوّنت بلون العصر الذي نشأت فيه، ولهذا يجب أن نستقي النظم الإسلامية التي تُحمل عليها الأمة، من هذا المعين الصّافي، وأن نفهم الإسلام كما فهمه الصحابة والتابعون من السّلف الصالح رضي الله عنهم.
3 - الواقعيّة
الإسلام دين البشرية كلّها، في عصورها جميعاً، وفي جوانب الحياة كلّها، فمن واقعيّته أن يرسم القواعد الكليّة، ويدع كثيراً من التفصيلات والجزئيات، لا سيّما في شؤون الدّنيا. وأن يُعالج النفس الإنسانية من أمراضها، ويسمو بها في آفاق الكمال. فإذا استقامت النفس استقام كل سلوك يصدر عنها. ولقد قيل: إن العدل يكون في نفس القاضي أكثر مما يكون في نص القانون.
فبالقواعد الكلية والتوجيهات العامة لشؤون الحياة المتطوّرة (مع ضبط مفصّل للشؤون الثابتة) ومع تهذيب للنفس البشرية وتطهير... تنطلق الحياة نظيفة في ظلّ الإسلام.
فكرة الإخوان المسلمين تضمّ كل المعاني الإصلاحية:
كان نتيجة الفهم الصحيح للإسلام أن أصبحت دعوة الإخوان المسلمين شاملة لكل خير، يجد فيها كل مخلص غيور أمنيته. وعليه نقول: إن الإخوان المسلمين:
1 - دعوة سلفية:
لأنّهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم.
2 - وطريقة سنيّة:
لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنّة المطهرة في كل شيء، وبخاصّة في العقائد والعبادات.
3 - وحقيقة صوفيّة:
لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحبّ في الله، والارتباط على الخير.
4 - وهيئة سياسية:
لأنّهم يُطالبون بإصلاح الحكم، وتعديل النظر إلى صلة الأمّة الإسلامية بغيرها، وتربية الشعب على العزّة والكرامة.
5 - وجماعة رياضية:
لأنّهم يُعنَون بجسومهم ويُقيمون الأندية والفرق الرياضية.
6 - ورابطة علمية ثقافية:
لأن الإسلام يهتم بالعلم. وأندية الإخوان مدارس للثقافة والتعليم والتربية.
7 - وشركة اقتصادية:
لأن الإسلام عُني بشؤون المال والصّناعة والتّجارة والزراعة.
8 - وفكرة اجتماعية:
لأنهم يعنون بأدواء المجتمع ويحاولون علاجها.
وليس في الاهتمام بهذه النواحي جميعاً أي تناقضٍ أو تعارض. فقد ترى الأخ في المحراب خاشعاً متبتّلاً، ثم تراه مدرّساً واعظاً، ثمّ تراه في الملعب رياضياً، ثمّ في عمله تاجراً أو صانعاًً.
لماذا دعوة الإخوان المسلمين؟
ابتداءً نقول: إن دعوة أبناء الإسلام إلى الالتزام بإسلامهم، والترقي في طريق حمل هذا الدين، والتحذير من كل ما يمس تقوى الله تعالى.. هي واجب في عنق كل مسلم، كل بحسب موقعه، وهي لون من أعظم ألوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
كما أن دعوة غير المسلمين إلى أن يفتحوا قلوبهم وعقولهم إلى هذا الدين، وأن يَقْبلوه ويُقبِلُوا عليه، ويرضَوه ديناً لهم.. هي دعوة الأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام - ثم هي دعوة أتباعِ خاتم الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة .
فإذا ذكرنا - فوق هذا وذاك - مسؤولية توعية الناس بإسلامهم، وكشف مؤامرات العدو، والوقوف في وجه تلك المؤامرات، والعمل على إعلاء راية الله تعالى في العالمين.. وعلمنا أن الجهود الفردية في هذا كله، مهما كانت نافعة، فإنها لا تفي بالغرض، لا سيما في عهد التكتلات السياسية والإعلامية والاقتصادية.. أدركنا أهمية قيام جماعة تحمل هذا الدين، وتدعو إليه، وتنافح عنه .
والجماعات التي تقوم بالدعوة إلى الإسلام وتسد ما استطاعت من الثغرات، وتؤدي ما استطاعت من المهمات.. كل هذه الجماعات تسهم بالواجب المطلوب وتنال قدراً من شرف الدعوة والجهاد لإعلاء كلمة الله، وذلك بمقدار ما يكون منهاجها أقوم وأسلم وأكمل، وبقدر ما يكون جهدها أوسع وأعمّ وأعمق .
ونحن نرى أن جماعة الإخوان المسلمين هي إحدى هذه الجماعات، لكنها الجماعة الأرشد والأفضل، وذلك لما تميّزت به من بين مختلف الجماعات :
1 - إنها الأبرز بين الجماعات والدعوات في العصور الحديثة التي نشرت الوعي بشمول الإسلام: فهو عقيدة وعبادة ونظام وتشريع وروحانية وعمل.. بعد ما ظن كثير من المسلمين أن الإسلام عقيدة وشعائر تعبدية وأخلاق فردية فحسب .
2 - وضّحت وأحيتْ مفهوم صلاح الإسلام لكل زمان ومكان بعد أن أشاع الأعداء أن الإسلام استنفد أغراضه، وأنه إذا كان قد قام بدور عظيم! في عصور مضت، فإن دوره قد توارى في الحياة المعاصرة !
3 - أكدت وجوب قيام جماعة تسعى إلى تعليم الإسلام، والدعوة إليه، ونصرته.. تواجه الأحزاب العلمانية، وتعمل على إقامة شرع الله في الأرض.. ودرّبت جموعاً وجماهير من المسلمين، على العمل الجماعيّ المنظّم .
4 - أحيَتْ فكرة "الخلافة" وإعادة الإسلام إلى أن يحكم حياة الناس، في الوقت الذي يجهد العلمانيون لنشر ثقافة فصل الدين عن الدولة .
5 - بيّنَت معنى الولاء، وأن ولاء المسلم يكون لله ورسوله وأوليائه.. بعدما ظهر في المجتمعات الإسلامية أناسٌ يتزيَّون بزي الإسلام وعلمائه.. ثم ينتسبون إلى حزب علماني أو منظمة ماسونية!
6 - عملت بنجاح في ساحة العمل السياسي والإعلامي، بل الاقتصادي والتعليمي.. ووجهت المسلمين إلى المطالبة بحقوقهم، والتمسك بمكانتهم
7 - أشاعت روح المحبة بين المسلمين، والتعاون بين العاملين للإسلام، والسعي إلى التوحد معهم، وتأييد من يحكم الإسلام أو يعمل لذلك .
8 - دربت أعداداً كبيرة من المسلمين على صيغ العمل الإسلامي المختلفة، بجمعيات خيرية ونوادٍ ثقافية أو رياضية، وتكتلات سياسية، بشكل علني في الظروف العادية، وغير علني في الظروف الاستثنائية .
9 - أكّدت أهمية وحدة المسلمين عقيدة وولاءً، وأيّدت الوحدة الإسلامية، أو أي وحدة بين قطرين من بلاد المسلمين، على أمل أن يكون ذلك خطوة في الطريق الصحيح نحو الوحدة الإسلامية الشاملة .
10 - دافعت عن فلسطين، بالخطابة والكتابة، وبالنفوس والأرواح والأموال، واشترك أبناء الجماعة في معاركها، وعملوا على توعية الناس بخطورة الصهيونية وقيام دولة يهودية على هذه الأرض المباركة .
11 - نَفَضَت الغبار عن التاريخ الإسلامي، وقام كتّابها ومفكّروها بصياغته صياغة عصرية توضّح الحقائق، وتكشف الزيف .
13 - أحْيَت مفهوم الجهاد، وبيّنت حقيقته وأهدافه .
13. قاومت الاستعمار بكل أشكاله، العسكري والسياسي والثقافي، وحذّرت المسلمين من تسرُّب القيم والمفاهيم التي يروّجها الاستعمار إلى نفوسهم .
14 - ناصرت الأقليات الإسلامية حيثما كانت بالسبل الممكنة، ودافعت عن قضايا المسلمين في أنحاء العالم كله .
15 - أكّدت أهمية تنشئة الفرد المسلم (روحياً وبدنياً وفكرياً) والبيت المسلم ثم المجتمع المسلم.. وقدّمت لذلك البرامج والخطط .
16 - أنشأت مرافق الخدمات المجانية - أو شبه المجانية - من صحية وتعليمية، وأسست الجمعيات التعاونية لمساعدة الفقراء، وأسهمت في خدمة المجتمع .
17 - تركت بصماتها على العمل الإسلامي بمختلف أطيافه، وتنوّع مشاربه، وتعدد جماعاته.. بحيث لا تكاد تجد جماعة إسلامية اليوم إلا وفيها الشيء القليل أو الكثير من آثار دعوة الإخوان المسلمين، مما يؤكد أصالة هذه الجماعة وسلامة فكرها ومنهجها.
والحمد لله أولاً وآخراً
ماهى غاية الإخوان المسلمين ووسائلهم ؟
غاية الإخوان المسلمين تكوين جيل من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل على صبغ الأمة بالصّبغة الإسلامية الكاملة في كلّ مظاهر حياتها.ووسيلتهم تغيير العرف العام، وتربية أنصار الدعوة على هذه المعاني، حتى يكونوا قدوة لغيرهم في التمسّك بها، والحرص عليها، والنّزول على حكمها , عن طريق الإيمان العميق والتكوين الدقيق والعمل المتواصل
ماهو موقف الإخوان من القوة والثورة ؟
الإخوان والقوّة والثورةالقوة شعار الإسلام في كلّ نظمه وتشريعاته، يأمر المسلمين بأن يعدّوا لعدوهم ما استطاعوا من قوّة، ويقرر أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، ويُعَلّم المسلم أن يستعيذ من ألوان الضعف جميعاً: "اللهم إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزَن، وأعوذ بك من العجز والكسل...".ولكن الإخوان ينظرون بعمقٍ، فيعلمون أن أول درجة من درجات القوة؛ قوة العقيدة والإيمان، ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثمّ بعدها قوّة الساعد والسلاح. ولا يصحّ لجماعة أن تستخدم السلاح وهي مفككة الأوصال، أو ضعيفة العقيدة.ثم: هل أوصى الإسلام باستخدام القوّة في كل الأحوال، أم حدّد لذلك حدوداً، واشترط شروطاً. وهل جعل القوّة أول علاج أم أن آخر الدواء الكيّ؟ أوليس من الواجب أن يوازن الإنسان بين النتائج الضّارة والنتائج النافعة أم أنه يستخدم القوّة غير عابئ بالنتائج؟... فهذه نظرات يلقيها الإخوان على استخدام القوّة قبل أن يُقدموا عليه.أما الثورة فهي أعنف مظاهر القوّة، فنظر الإخوان إليها أدقّ وأعمق.إن الإخوان سيستخدمون القوة حيث لا يُجدي غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدّة الإيمان والوحدة، وسيكونون شرفاء وصرحاء وسينذرون أولاً، وينتظرون بعد ذلك ثم يُقدمون في عزّة وكرامة، ويتحمّلون نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح.وأما الثورة فلا يفكّرون بها، وإن كانوا يُصارحون الحكومة بأن الحال إذا بقيت على هذا المنوال فستقوم ثورة، ليست من صنع الإخوان، ولكن من مقتضيات الظروف.
هل يريد الإخوان المسلمون الوصول الى الحكم ؟
الإخوان المسلمون والحكم:الإسلام يجعل الحكومة ركناً من أركانه، ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد. وقديماً قال الخليفة الثالث: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن". وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الحكم عروة من عرى الإسلام. والعلماء يجعلون الحكم من العقائد والأصول، لا من الفقهيات والفروع.والمصلح الإسلامي إن رضي لنفسه أن يكون فقيهاً مرشداً، يقرر الأحكام ويسرد الفروع والأصول، وترك أهل التنفيذ يشرعون للأمة ما لم يأذن به الله، ويحملونها بقوّة التنفيذ على مخالفة أوامره. فإن النتيجة الطبيعية أن صوت هذا المصلح سيكون صرخة في واد، ونفخة في رماد.قد يكون مفهوماً أن يقنع المصلحون الإسلاميون برتبة الوعظ والإرشاد إذا وجدوا من أهل التنفيذ إصغاء لأوامر الله، وتنفيذاً لأحكامه. أما والحال كما نرى: التشريع الإسلامي في واد، والتشريع الفعلي في واد، فإن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة لا يكفّرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف.والإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من الأمّة من يستعد لحمل هذا العبء والحكم بمنهاج قرآني فهُمْ جنوده وأنصاره، وإن لم يجدوا فالحكم من مناهجهم، وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفّذ أوامر الله. وإنه لابدّ من أن يسبق إقامة الحكم نشر لمبادئ الإسلام، وتعليم للشعب وتوعية.أما الخلافة فهي رمز الوحدة الإسلامية، والخليفة مناط كثير من الأحكام في دين الله، ولهذا قدّم الصحابة رضوان الله عليهم النّظر في شأنها على النظر في دفن النبي صلى الله عليه وسلم.والأحاديث الواردة في وجوب نصب الإمام كثيرة. والإخوان المسلمون يجعلون فكرة الخلافة والعمل على إعادتها في رأس منهاجهم، وهم ـ مع ذلك ـ يعتقدون أن ذلك يحتاج إلى كثير من التمهيدات الضرورية.أيها الإخوان المسلمون:لا تيئسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين، وحقائق اليوم أحلام الأمس وأحلام اليوم حقائق الغد. وما زال في الوقت متّسع، وما زالت عناصر السلامة قويّة في شعوبكم المؤمنة على الرّغم من مظاهر الفساد. والضعيف لا يظلّ ضعيفاً كلّ حياته... وإن العالم ينتظر دعوتكم دعوة الهداية والفوز والسلام... ﴿وتلك الأيام نداولها بين الناس﴾، ﴿ وترجون من الله ما لا يرجون﴾، فاستعدّوا واعملوا ولا تضيعوا فرصة.لقد خاطبت المتحمسين منكم أن يتريّثوا، وإني أخاطب المتقاعسين أن ينهضوا ويعملوا، فليس مع الجهاد راحة: ﴿ والذين جاهدوا فينا لنَهديَنّهم سُبُلَنا وإن الله لَمَعَ المحسنين﴾.وإلى الإمام دائماً. والله أكبر ولله الحمد.
ماهى أهداف جماعة الاخوان المسلمين ووسائلها؟
أهداف جماعة الإخوان المسلمين ووسائلها أهداف جماعة الإخوان المسلمين هي أهداف الإسلام نفسها ويمكن تلخيصها بالهدفين الآتيين:الأول: أن يتحرر الوطن الإسلامي من كلّ سلطان أجنبي.الثاني: أن تقوم في هذا الوطن الحر دولة إسلامية حرّة، تعمل بأحكام الإسلام، وتطبّق نظامه الاجتماعي، وتعلن مبادئه القويمة، وتبلغ دعوته الحكيمة الناس. وما لم تقم هذه الدولة فإن المسلمين جميعاً آثمون مسؤولون بين يدي الله العلي الكبير عن تقصيرهم في إقامتها، وقعودهم عن إيجادها.وهذان الهدفان لا يمكن تحقيقهما بسهولة ويسر، بل لابدّ من خطوات تمهيدية لذلك، وتدرُّج في المراحل، على الشكل التالي:1- إصلاح الفرد: حتى يكون قوي الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادراً على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهداً لنفسه، حريصاً على وقته، منظماً في شؤونه، نافعاً لغيره.2- تكوين البيت المسلم: بأن يحمل أهله على احترام فكرته، والمحافظة على آداب الإسلام في كل مظاهر الحياة المنزلية، وحسن اختيار الزوج، وتوقيفها على حقّها وواجبها، وحسن تربية الأولاد وتنشئتهم على مبادئ الإسلام.3- إرشاد المجتمع وتكوينه على أساس إسلامي: بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف والمبادرة إلى فعل الخير، وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائماً.4- وتحرير الوطن بتخليصه من كل سلطان أجنبي غير إسلامي.5- وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، منفّذة لأحكام الإسلام وتعاليمه.6- وإعادة الكيان الدولي للأمّة الإسلامية: بتحرير أوطانها وإحياء مجدها، وتقريب ثقافتها، وجمع كلمتها، حتّى يؤدّي ذلك كلها إلى إعادة الخلافة المفقودة، والوحدة المنشودة.7- وأخيراً أستاذية العالم: بنشر دعوة الإسلام في ربوعه، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كلّه لله، ويأبى الله إلا أن يُتمّ نوره.وهذه الأهداف والمراحل قد يراها الناس خيالاً ولكن المسلم الواثق بنصر الله ومدده يراها حقيقة ماثلة أمامه ﴿والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾. يوسف: 21 ﴿ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرّحيم ﴾ الرّوم: 4-5.ولقد ابتُليت جماعة الإخوان المسلمين في كل الأقطار التي وجدت بها أشدّ الابتلاء على يد الطواغيت وأذناب الأجنبي والدخيل الطامع في ثروات المسلمين، ولكنّها صمدت وصبرت وبقيتْ وزال الطواغيت وما زادتها هذه المحن والمصائب إلا إيماناً بسلامة الطريق والنّهج، وإيماناً بوعد الله ونصره، فكانت بذلك الجماعة الإسلامية المرشّحة لأن تقود المسلمين إلى شاطئ العزّ والأمان والخير
الوسائل الايمان العميق – التكوين الدقيق – العمل المتواصل.
من هم مرشدوا الجماعة منذ نشأتها حتى الآن ؟
الإمام الشهيد حسن البنا والإمام حسن الهضيبى والأستاذ عمر التلمسانى والأستاذ محمد حامد أبو النصر والأستاذ مصطفى مشهور والمستشار مأمون الهضيبى والأستاذ محمد هلال ( مؤقت ) والمرشد الحالى الأستاذ محمد مهدى عاكف
من هم أبرز رجالات الإخوان المسلمين؟
أبرز رجالات دعوة الإخوان المسلمين يمكن أن نذكر العشرات من رجالات الجماعة الذين برزوا في مصر وسورية ولبنان وغيرها، في مجالات الفكر والجهاد والدعوة والعلم...ويبقى على رأس هؤلاء جميعاً الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله.وقد نختلف فيمن يكون صاحب المكانة الثانية والثالثة... إلا أننا سنختار نماذج من هؤلاء الرجال: حسن البنا، وسيد قطب، محمد فرغلى , يوسف طلعت , محمد يوسف هواش ومصطفى السّباعي، ومحمد المبارك، وعبد الفتاح أبو غدّة. ولا يبعد أن يُوجد في رجالات الجماعة من هم في مستوى هؤلاء الرجال أو أعلى، ومكانتهم جميعاً محفوظة عند الله، ونسأل الله لهم جميعاً الرّحمة والرضوان. (وقد اقتصرنا في الاختيار على من توفّاهم الله، دون من هم على قيد الحياة، أمدّ الله في عمرهم ووفقنا وإياهم إلى خدمة دينه.وتعدّ الكرّاسات التي أصدرتها الجماعة بحق رجالاتها: لا سيّما من ذكرناهم، جزءاً من هذا المنهج، مما يُغني عن إعادة ترجماتهم في هذه الصّفحات.
ماهو دور الإخوان المسلمين فى نصرة القضية الفلسطينية ؟
الإخوان المسلمون في حرب فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى وقعت فلسطين تحت الاحتلال البريطاني. ووفت بريطانيا بوعد بلفور لليهود، الذين صاروا يتدفقون إلى فلسطين من بلاد عدّة. ولمّا ظهرت قوّة أمريكا، ارتمى اليهود في أحضانها. وصارت الحكومات الأمريكية تتعامل مع اليهود كطفل مدلل يلبى له كل أمر .وفي عام 1947م وبمساع ( يهودية بريطانية أمريكية ) أصدرت هيئة الأمم المتحدة قراراً بتقسيم فلسطين إلى دولتين: عربية، ويهودية. وكان لذلك القرار وقع الصواعق على الشعوب العربية والإسلامية، وهي ترزح تحت نير الاحتلال الصليبي (البريطاني، والفرنسي، والإيطالي)، أو أذنابهم من الحكومات العميلة الهزيلة .عند ذلك، تحولت فلسطين إلى شعلة من النيران، ودارت معارك غير متكافئة بين الفلسطينيين العُزَّل، وبين اليهود المدعومين من دول الغرب . لمسلمون ونصرة فلسطينا الإخوان تنادى المسلمون على المستوى الشعبيّ لنصرة فلسطين، وكان على رأسهم جماعة الإخوان المسلمين. حيث نظموا مظاهرة صاخبة اهتزت لها جنبات القاهرة، وألقى خلالها مؤسس الجماعة، الإمام الشهيد حسن البنا عليه رحمة الله، خطابا قال فيه: " لبيك فلسطين ، دماؤنا فداء لفلسطين… تألبت الدنيا علينا تريد أن تسلبنا حقّنا، وقد عاهدنا الله أن نموت كراماً أو نعيش كراماً… إنني أُعلن من فوق هذا المنبر أن الإخوان المسلمين قد تبرعوا بدماء عشرة آلاف متطوع للاستشهاد في سبيل فلسطين…" .وفي عام 1948م، انسحبت الجيوش البريطانية من فلسطين، وسلّمت مواقعها لليهود، الذين أعلنوا قيام دولتهم في اليوم التالي لانسحاب البريطانيين .كان للإخوان المسلمين (من مصريين وسوريين وأردنيين وعراقيين) دور بارز ومميز في الدفاع عن فلسطين، وكان نصيبهم من معاركها حصّة الأسد. حين استجابوا لداعي الحقّ، ولبّوا نداء الإسلام، بعد أن عرفوا تخاذل حكّام العرب، لذلك خاضوا معارك الشرف والكرامة، عالية جباههم، مشرقة وجوههم بنور الإيمان، وقد وضعوا نصب أعينهم شعار الإسلام "النصر أو الشهادة " .سارع الإخوان من كل حدب وصوب للالتحاق بالمراكز التي أعدّت لنصرة فلسطين، وازدحمت بهم المعسكرات، ونظموا أنفسهم لدخول فلسطين التي كانت خالية من أي مقاومة تذكر. ودخلت قوّات الإخوان إلى فلسطين [من جنوبها وشرقها وغربها]، حيث قاد القوّة الأولى (أحمد عبدالعزيز)، وكانت القوّة الثانية بقيادة (محمود عبده)، أمّا إخوان الأردن فكانوا بقيادة (عبداللطيف أبو قورة)، فيما قاد إخوان سورية (الدكتور (مصطفى السباعي). ودخل فلسطين أيضاً "جيش الإنقاذ " الذي شكّلته الجامعة العربيّة، لإسكات الغليان في الشارع العربي والإسلامي.بدأ القتال بين الإخوان المسلمين وبين اليهود في مختلف المحاور، وعلى كلّ الصّعُد. وكان الإخوان في بداية الأمر يجهلون مواقع المستوطنات اليهوديّة، وطرق تحصينها وإمدادها، ولكنّهم سرعان ما كانوا يتغلبون على المصاعب، وازدادت خبراتهم القتالية والاستطلاعية، وهاجموا اليهود بأساليب متعددة ومتنوعة… ومع الأيّام ازدادت الهجمات الناجعة والموجعة لليهود، وازدادت اتساعاً وعمقاً .
ماهى أبرز أدبيات وأفكار جماعة الخوان المسلمين ؟
أركان البيعة والأصول العشرون
فهذه رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من (الإخوان المسلمون)، الذين آمنوا بسموِّ دعوتهم، وقدسية فكرتهم، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها، أو يموتوا في سبيلها، إلى هؤلاء (الإخوان) فقط أوجه هذه الكلمات، وهي ليست دروسًا تحفظ؛ ولكنها تعليمات تنفَّذ، فإلى العمل أيها الإخوان الصادقون: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (التوبة: 105)، ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (الأنعام: 153).
أما غير هؤلاء.. فلهم دروس ومحاضرات، وكتب ومقالات، ومظاهر وإداريات، ولكلٍّ وجهةٌ هو مولِّيها فاستبقوا الخيرات، وكلاً وعد الله الحسنى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
"حسن البنَّا"
أركان البيعة
أيها الإخوان الصادقون، أركان بيعتنا عشرة فاحفظوها:
الفهم، والإخلاص، والعمل، والجهاد، والتضحية، والطاعة، والثبات، والتجرد، والأخوَّة، والثقة.
1 - الفهم
إنما أريدُ بالفهم: أن توقن بأن فكرتنا إسلامية صميمة، وأن تفهم الإسلام كما نفهمه، في حدود هذه الأصول العشرين الموجزة كل الإيجاز:
الأصول العشرون
1 - الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا؛ فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون، أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنًى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء.
2 - والقرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم في تعرُّف أحكام الإسلام، ويفهم القرآن طبقًا لقواعد اللغة العربية من غير تكلُّف ولا تعسُّف، ويرجع في فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات.
3 - وللإيمان الصادق والعبادة الصحيحة والمجاهدة نور وحلاوة يقذفهما الله في قلب من يشاء من عباده؛ ولكن الإلهام والخواطر والكشف والرؤى ليست من أدلة الأحكام الشرعية، ولا تعتبر إلا بشرط عدم اصطدامها بأحكام الدين ونصوصه.
4 - والتمائم والرُّقى، والوَدعُ والرَمْلُ، والمعرفة والكهانة، وادعاء معرفة الغيب وكل ما كان من هذا الباب منكر تجب محاربته إلا ما كان آية من قرآن أو رقية مأثورة.
5 - ورأي الإمام ونائبه فيما لا نصَّ فيه، وفيما يحتمل وجوهًا عدة، وفي المصالح المرسلة، معمول به ما لم يصطدم بقاعدة شرعية، وقد يتغير بحسب الظروف والعرف والعادات، والأصل في العبادات التعبد دون الالتفات إلى المعاني، وفي العادات الالتفات إلى الأسرار والحكم والمقاصد.
6 - وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم- صلى الله عليه وسلم- وكل ما جاء عن السلف- رضوان الله عليهم- موافقًا للكتاب والسنة قَبِلْناه، وإلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالاتباع؛ ولكنا لا نعرض للأشخاص فيما اختلف فيه بطعن أو تجريح، ونَكِلُهم إلى نيَّاتهم وقد أفضوا إلى ما قدموا.
7 - ولكل مسلم لم يبلغ درجة النظر في أدلة الأحكام الفرعية أن يتبع إمامًا من أئمة الدِّين، ويحسن به مع هذا الاتباع أن يجتهد ما استطاع في تعرف أدلته، وأن يتقبل كل إرشاد مصحوب بالدليل متى صحَّ عنده صلاح من أرشده وكفايته، وأن يستكمل نقصه العلمي إن كان من أهل العلم حتى يبلغ درجة النظر.
8 - والخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سببًا للتفرق في الدين، ولا يؤدي إلى خصومة ولا بغضاء، ولكل مجتهد أجره، ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة، من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب.
9 - وكل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نُهِينَا عنه شرعًا، ومن ذلك كثرة التفريعات للأحكام التي لم تقع، والخوض في معاني الآيات القرآنية الكريمة التي لم يصل إليها العلم بعد، والكلام في المفاضلة بين الأصحاب- رضوان الله عليهم- وما شجر بينهم من خلاف، ولكل منهم فضلُ صحبتِهِ وجزاءُ نيتِهِ، وفي التأول مندوحة.
10 - ومعرفة الله- تبارك وتعالى- وتوحيده وتنزيهه أسمى عقائد الإسلام، وآيات الصفات وأحاديثها الصحيحة وما يليق بذلك من التشابه، نؤمن بها كما جاءت من غير تأويل ولا تعطيل، ولا نتعرض لما جاء فيها من خلاف بين العلماء، ويسعنا ما وسع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ (آل عمران: 7).
11 - وكل بدعة في دين الله لا أصل لها استحسنها الناس بأهوائهم؛ سواء بالزيادة فيه أو بالنقص منه ضلالة، تجب محاربتها والقضاء عليها بأفضل الوسائل التي لا تؤدي إلى ما هو شر منها.
12 - والبدعة الإضافية والتَّركِيَّة والالتزام في العبادات المطلقة خلاف فقهي، لكلٍّ فيه رأيه، ولا بأس بتمحيص الحقيقة بالدليل والبرهان.
13 - ومحبة الصالحين واحترامهم والثناء عليهم بما عُرِف من طيب أعمالهم قربة إلى الله- تبارك وتعالى- والأولياء هم المذكورون بقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ (يونس: 63)، والكرامة ثابتة بشرائطها الشرعية، مع اعتقاد أنهم- رضوان الله عليهم- لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا في حياتهم أو بعد مماتهم، فضلاً عن أن يهبوا شيئًا من ذلك لغيرهم.
14 - وزيارة القبور أيًّا كانت سنة مشروعة بالكيفية المأثورة؛ ولكن الاستعانة بالمقبورين أيًّا كانوا، ونداؤهم لذلك، وطلب قضاء الحاجات منهم عن قرب أو بعد، والنذر لهم، وتشييد القبور وسترها وإضاءتها، والتمسح بها، والحلف بغير الله، وما يلحق بذلك من المبتدعات.. كبائر تجب محاربتها، ولا نتأول لهذه الأعمال سدًّا للذريعة.
15 - والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله تعالى بأحد من خلقه خلاف فرعي في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة.
16 - والعرف الخاطئ لا يغير حقائق الألفاظ الشرعية؛ بل يجب التأكد من حدود المعاني المقصود بها، والوقوف عندها، كما يجب الاحتراز من الخداع اللفظي في كل نواحي الدنيا والدين، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء.
17 - والعقيدة أساس العمل، وعمل القلب أهم من عمل الجارحة، وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعًا وإن اختلفت مرتبتا الطلب.
18 - والإسلام يحرر العقل، ويحث على النظر في الكون، ويرفع قدر العلم والعلماء، ويرحب بالصالح والنافع من كل شيء، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.
19 - وقد يتناول كل من النظر الشرعي والنظر العقلي ما لا يدخل في دائرة الآخر، ولكنهما لن يختلفا في القطعي، فلن تصطدم حقيقة علمية صحيحة بقاعدة شرعية ثابتة، ويؤول الظني منهما ليتفق مع القطعي، فإن كانا ظنيين فالنظر الشرعي أولى بالاتباع حتى يثبت العقلي أو ينهار.
20 - ولا نكفِّر مسلمًا أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض برأي أو بمعصية إلا إن أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، أو كذَّب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملاً لا يحتمل تأويلاً غير الكفر.
وإذا علم الأخ المسلم دينه في هذه الأصول، فقد عرف معنى هتافه دائمًا (القرآن دستورنا والرسول قدوتنا.(
2 - الإخلاص
وأريد بالإخلاص: أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله، وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر، وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة، لا جندي غرض ومنفعة، ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأنعام:162)، وبذلك يفهم الأخ المسلم معنى هتافه الدائم (الله غايتنا) و(الله أكبر ولله الحمد ).
3 - العمل
وأريد بالعمل: ثمرة العلم والإخلاص: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (التوبة:)105.
ومراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق:
1 - إصلاح نفسه حتى يكون: قوي الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب, سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظمًا في شؤونه، نافعًا لغيره، وذلك واجب كل أخ على حدته.
2 - وتكوين بيت مسلم، بأن يحمل أهله على احترام فكرته، والمحافظة على آداب الإسلام في مظاهر الحياة المنزلية، وحسن اختيار الزوجة، وتوقيفها على حقها وواجبها، وحسن تربية الأولاد، والخدم وتنشئتهم على مبادئ الإسلام، وذلك واجب كل أخ على حدته كذلك.
3 - وإرشاد المجتمع، بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف، والمبادرة إلى فعل الخير، وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائمًا، وذلك واجب كل أخ على حدته، وواجب الجماعة كهيئة عاملة.
4 - وتحرير الوطن بتخليصه من كل سلطان أجنبي غير إسلامي سياسي أو اقتصادي أو روحي.
5 - وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، وبذلك تؤدي مهمتها كخادم للأمة وأجير عندها وعامل على مصلحتها، والحكومة إسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مؤدين لفرائض الإسلام غير متجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه، ولا بأس أن نستعين بغير المسلمين عند الضرورة في غير مناصب الولاية العامة ولا عبرةَ بالشكل الذي تتخذه ولا بالنوع، مادام موافقًا للقواعد العامة في نظام الحكم الإسلامي ، ومن صفاتها: الشعور بالتبعية، والشفقة، على الرعية، والعدالة بين الناس، والعفة عن المال العام، والاقتصاد فيه، ومن واجباتها: صيانة الأمن، وإنفاذ القانون، ونشر التعليم، وإعداد القوة، وحفظ الصحة، ورعاية المنافع العامة، وتنمية الثروة، وحراسة المال، وتقوية الأخلاق، ونشر الدعوة، ومن حقها- متى أدت واجبها-: الولاء والطاعة، والمساعدة بالنفس والأموال، فإذا قصرت: فالنصح والإرشاد، ثم الخلع والإبعاد، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
6 - إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية، بتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقريب ثقافتها وجمع كلمتها، حتى يؤدي ذلك كله إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة.
7 - وأستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام في ربوعه ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ﴾ (الأنفال:39)، ﴿وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (التوبة:32).
وهذه المراتب الأربعة الأخيرة تجب على الجماعة متحدة وعلى كل أخ باعتباره عضوًا في الجماعة، وما أثقلها تبعات وما أعظمها مهمات، يراها الناس خيالاً ويراها الأخ المسلم حقيقةً, ولن نيأس أبدًا، ولنا في الله أعظم الأمل ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف:21).
4 - الجهاد
وأريد بالجهاد: الفريضة الماضية إلى يوم القيامة والمقصود بقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "من مات ولم يغز ولم ينو الغزو مات ميتة جاهلية"، وأول مراتبه إنكار القلب، وأعلاها القتال في سبيل الله، وبين ذلك جهاد اللسان والقلم واليد وكلمة الحق عند السلطان الجائر، ولا تحيا دعوة إلا بالجهاد، وبقدر سمو الدعوة وسعة أفقها، تكون عظمة الجهاد في سبيلها، وضخامة الثمن الذي يطلب لتأييدها، وجزالة الثواب للعاملين: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ (الحج:78)، وبذلك تعرف معنى هتافك الدائم: (الجهاد سبيلنا).
5 - التضحية
وأريد بالتضحية: بذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شيء في سبيل الغاية، وليس في الدنيا جهاد لا تضحيةَ معه، ولا تضيع في سبيل فكرتنا تضحية، وإنما هو الأجر الجزيل والثواب الجميل ومن قعد عن التضحية معنا فهو آثم: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾ الآية، ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ..﴾ الآية، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ﴾ الآية, ﴿فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حسنًا﴾، وبذلك تعرف معنى هتافك الدائم: (والموت في سبيل الله أسمى أمانينا).
6 - الطاعة
وأريد بالطاعة: امتثال الأمر وإنفاذه توًا في العسر واليسر والمنشط والمكره، وذلك أن مراحل هذه الدعوة ثلاث:
التعريف: بنشر الفكرة العامة بين الناس، ونظام الدعوة في هذه المرحلة نظام الجمعيات الإدارية، ومهمتها العمل للخير العام ووسيلتها الوعظ والإرشاد تارة وإقامة المنشآت النافعة تارة أخرى، إلى غير ذلك من الوسائل العملية، وكل شعب الإخوان القائمة الآن تمثل هذه المرحلة من حياة الدعوة، وينظمها القانون الأساسي، وتشرحها وسائل الإخوان وجريدتهم، والدعوة في هذه المرحلة عامة.
ويتصل بالجماعة فيها كل مَن أراد من الناس متى رغب المساهمة في أعمالها ووعد بالمحافظة على مبادئها، وليست الطاعة التامة لازمة في هذه المرحلة بقدر ما يلزم فيها احترام النظم والمبادئ العامة للجماعة.
التكوين: باستخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد وضم بعضها إلى بعض، ونظام الدعوة- في هذه المرحلة- صوفي بحت من الناحية الروحية، وعسكري بحت من الناحية العملية، وشعار هاتين الناحيتين (أمر وطاعة) من غير تردد ولا مراجعة ولا شك ولا حرج، وتمثل الكتائب الإخوانية هذه المرحلة من حياة الدعوة، وتنظمها رسالة المنهج سابقًا، وهذه الرسالة الآن.
والدعوة فيها خاصة لا يتصل بها إلا مَن استعد استعدادًا تامًا حقيقيًا لتحمل أعباء جهاد طويل المدى كثير التبعات، وأول بوادر هذا الاستعداد كمال الطاعة.
التنفيذ: والدعوة في هذه المرحلة جهاد لا هوادة معه، وعمل متواصل في سبيل الوصول إلى الغاية، وامتحان وابتلاء لا يصبر عليهما إلا الصادقون، ولا يكفل النجاح في هذه المرحلة إلا كمال الطاعة كذلك وعلى هذا بايع الصف الأول من الإخوان المسلمين في يوم 5 ربيع الأول سنة 1359هـ.
وأنت بانضمامك إلى هذه الكتيبة، وتقبلك لهذه الرسالة، وتعهدك بهذه البيعة، تكون في الدور الثاني، وبالقرب من الدور الثالث، فقدِّر التبعة التي التزمتها وأعدّ نفسك للوفاء بها.
7 - الثبات
وأريد بالثبات: أن يظل الأخ عاملاً مجاهدًا في سبيل غايته مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات والأعوام، حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنيين، فإما الغاية وإما الشهادة في النهاية، ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب:23)، والوقت عندنا جزء من العلاج، والطريق طويلة المدى بعيدة المراحل كثيرة العقبات، ولكنها وحدها التي تؤدي إلى المقصود مع عظيم الأجر وجميل المثوبة.
وذلك أن كل وسيلة من وسائلنا الست تحتاج إلى حسن الإعداد وتحين الفرص ودقة الإنفاذ، وكل ذلك مرهون بوقته ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ (الاسراء:51).
8 - التجرد
أريد بالتجرد: أن تتخلص لفكرتك مما سواها من المبادئ والأشخاص؛ لأنها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها: ﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً﴾ (البقرة:138)، ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ (الممتحنة:4).
والناس عند الأخ الصادق واحد من ستة أصناف: مسلم مجاهد، أو مسلم قاعد، أو مسلم آثم، أو ذمي معاهد، أو محايد، أو محارب، ولكل حكمه في ميزان الإسلام، وفي حدود هذه الأقسام توزن الأشخاص والهيئات، ويكون الولاء أو العداء.
9 - الأخوة
وأريد بالأخوة: أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها، والأخوة أخت الإيمان، والتفرق أخو الكفر، وأول القوة: قوة الوحدة، ولا وحدة بغير حب، وأقل الحب: سلامة الصدر، وأعلاه: مرتبة الإيثار، ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الحشر:9).
والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه؛ لأنه إن لم يكن بهم، فلن يكون بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره، "وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية"، "والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا"، ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ (التوبة:71)، وهكذا يجب أن نكون.
10 - الثقة
وأريد بالثقة: اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه اطمئنانًا عميقًا ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة، ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (النساء:65).
والقائد جزء من الدعوة، ولا دعوةَ بغير قيادة، وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة، وإحكام خططها، ونجاحها في الوصول إلى غايتها، وتغلبها على ما يعترضها من عقبات ﴿فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ﴾ (محمد:20-21).
وللقيادة في دعوة الإخوان حق الوالد بالرابطة القلبية، والأستاذ بالإفادة العلمية، والشيخ بالتربية الروحية، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة، ودعوتنا تجمع هذه المعاني جميعًا، والثقة بالقيادة هي كل شيء في نجاح الدعوات.
ولهذا يجب أن يسأل الأخ الصادق نفسه هذه الأسئلة ليتعرف على مدى ثقته بقيادته:
1 - هل تعرف إلى قائده من قبل ودرس ظروف حياته؟
2 - هل اطمأن إلى كفايته وإخلاصه؟
3 - هل هو مستعد لاعتبار الأوامر التي تصدر إليه من القيادة في غير معصية طبعًا قاطعًة لا مجال فيها للجدل ولا للتردد ولا للانتقاص ولا للتحوير مع إبداء النصيحة والتنبيه إلى الصواب؟
4 - هل هو مستعد لأن يفترض في نفسه الخطأ وفي القيادة الصواب، إذا تعارض أمر ما به مع ما تعلم في المسائل الاجتهادية التي لم يرد فيها نص شرعي؟
5 - هل هو مستعد لوضع ظروفه الحيوية تحت تصرف الدعوة؟ وهل تملك القيادة في نظره حق الترجيح بين مصلحته الخاصة ومصلحة الدعوة العامة.
بالإجابة على هذه الأمثلة وأشباهها يستطيع الأخ الصادق أن يطمئن على مدى صلته بالقائد، وثقته به، والقلوب بيد الله يصرفها كيف يشاء ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌا (الأنفال:63.
واجبات الأخ العامل
أيها الأخ الصادق: إن إيمانك بهذه البيعة يوجب عليك أداء هذه الواجبات حتى تكون لبنة قوية في البناء:
1 - أن يكون لك ورد يومي من كتاب الله لا يقل عن جزء، واجتهد ألا تختم في أكثر من شهر، ولا في أقل من ثلاثة أيام.
2 - أن تحسن تلاوة القرآن والاستماع إليه والتدبر في معانيه، وأن تدرس السيرة المطهرة وتاريخ السلف بقدر ما يتسع له وقتك، وأقل ما يكفي في ذلك كتاب (حماة الإسلام)، وإن تكثر من القراءة في حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم، وأن تحفظ أربعين حديثًا على الأقل ولتكن الأربعين النووية، وأن تدرس رسالة في أصول العقائد ورسالة في فروع الفقه.
3 - أن تبادر بالكشف الصحي العام وأن تأخذ في علاج ما يكون فيك من أمراض، وتهتم بأسباب القوة والوقاية الجسمانية وتبتعد عن أسباب الضعف الصحي.
4 - أن تبتعد عن الإسراف في قهوة البن والشاي، ونحوها من المشروبات المنبهة، فلا تشربها إلا لضرورة، وأن تمتنع بتاتًا عن التدخين.
5 - أن تُعنى بالنظافة في كل شيء في المسكن والملبس والمطعم والبدن ومحل العمل، فقد بني الدين على النظافة.
6 - أن تكون صادق الكلمة فلا تكذب أبدًا.
7 - أن تكون وفيًا بالعهد والكلمة والوعد، فلا تخلف مهما كانت الظروف.
8 - أن تكون شجاعًا عظيم الاحتمال، وأفضل الشجاعة الصراحة في الحق وكتمان السر، والاعتراف بالخطأ والإنصاف من النفس وملكها عند الغضب.
9 - أن تكون وقورًا تؤثر الجد دائمًا، ولا يمنعك الوقار من المزاح الصادق والضحك في تبسم.
10 - أن تكون شديد الحياء دقيق الشعور، عظيم التأثر بالحسن والقبح، تسر للأول وتتألم للثاني، وأن تكون متواضع في غير ذلة ولا خنوع ولا ملق، وأن تطلب أقل من مرتبتك لتصل إليها.
11 - أن تكون عادلاً صحيح الحكم في جميع الأحوال، لا ينسيك الغضب الحسنات ولا تغضي عين الرضا عن السيئات، ولا تحملك الخصومة على نسيان الجميل، وتقول الحق ولو كان على نفسك أو على أقرب الناس إليك وإن كان مرَّا.
12 - أن تكون عظيم النشاط مدربًا على الخدمات العامة، تشعر بالسعادة والسرور إذا استطعت أن تقدم خدمة لغيرك من الناس، فتعود المريض وتساعد المحتاج وتحمل الضعيف وتواسي المنكوب ولو بالكلمة الطيبة، وتبادر دائمًا إلى الخيرات.
13 - أن تكون رحيم القلب كريمًا سمحًا تعفو وتصفح وتلين وتحلم وترفق بالإنسان والحيوان, جميل المعاملة حسن السلوك مع الناس جميعًا، محافظًا على الآداب الإسلامية الاجتماعية فترحم الصغير وتوقر الكبير وتفسح في المجلس، ولا تتجسس ولا تغتاب ولا تصخب، وتستأذن في الدخول والانصراف.. إلخ.
14 - أن تجيد القراءة والكتابة، وأن تكثر من المطالعة في رسائل الإخوان وجرائدهم ومجلاتهم ونحوها، وأن تكون لنفسك مكتبة خاصة مهما كانت صغيرة، وأن تتبحر في علمك وفنك إن كنت من أهل الاختصاص، وأن تلم بالشئون الإسلامية العامة إلمامًا يمكنك من تصورها والحكم عليها حكمًا يتفق مع مقتضيات الفكرة.
15 - أن تزاول عملاً اقتصاديًا مهما كنت غنيًا، وأن تقدم العمل الحر مهما كان ضئيلا، وأن تزج بنفسك فيه مهما كانت مواهبك العلمية.
16 - ألا تحرص على الوظيفة الحكومية، وأن تعتبرها أضيق أبواب الرزق ولا ترفضها إذا أتيحت لك، ولا تتخل عنها إلا إذا تعارضت تعارضًا تامًا مع واجبات الدعوة.
17 - أن تحرص كل الحرص على أداء مهنتك من حيث الإجادة والإتقان وعدم الغش وضبط الموعد.
18 - أن تكون حسن التقاضي لحقِّك، وأن تؤدي حقوق الناس كاملة غير منقوصة بدون طلب، ولا تماطل أبدًا.
19 - أن تبتعد عن الميسر بكل أنواعه مهما كان المقصد من ورائها، وتتجنب وسائل الكسب الحرام مهما كان وراءها من ربح عاجل.
20 - أن تبتعد عن الربا في جميع المعاملات وأن تطهر منه تمامًا.
21 - أن تخدم الثروة الإسلامية العامة بتشجيع المصنوعات والمنشآت الاقتصادية الإسلامية، وأن تحرص على القرش فلا يقع في يد غير إسلامية مهما كانت الأحوال، ولا تلبس ولا تأكل إلا من صنع وطنك الإسلامي.
22 - أن تشترك في الدعوة بجزء من مالك، تؤدي الزكاة الواجبة فيه، وأن تجعل منه حقًا معلومًا للسائل والمحروم مهما كان دخلك ضئيلاً.
23 - أن تدخر للطوارئ جزءًا من دخلك مهما قلَّ، وألا تتورط في الكماليات أبدًا.
24 - أن تعمل ما استطعت على إحياء العادات الإسلامية وإماتة العادات الأعجمية في كل مظاهر الحياة، ومن ذلك التحية واللغة والتاريخ والزي والأثاث، ومواعيد العمل والراحة, والطعام والشراب، والقدوم والانصراف، والحزن والسرور.. إلخ، وأن تتحرى السنة المطهرة في ذلك.
25 - أن تقاطع المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامي، والأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك الإسلامية مقاطعة تامة.
26 - أن تديم مراقبة الله تبارك وتعالى، وتذكر الآخرة وتستعد لها، وتقطع مراحل السلوك إلى رضوان الله بهمَّة وعزيمة، وتتقرب إليه سبحانه بنوافل العبادة ومن ذلك صلاة الليل وصيام ثلاثة أيام من كل شهر على الأقل، والإكثار من الذكر القلبي واللساني، وتحرِّي الدعاء المذكور في كل الأحوال.
27 - أن تحسن الطهارة وأن تظل على وضوء غالب الأحيان.
28 - أن تحسن الصلاة وتواظب على أدائها في أوقاتها، وتحرص على الجماعة والمسجد ما أمكن ذلك.
29 - أن تصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، وتعمل على ذلك إن لم تكن مستطيعًا الآن ذلك.
30 - أن تستصحب دائمًا نية الجهاد وحب الشهادة وأن تستعد لذلك ما وسعك الاستعداد.
31 - أن تجدد التوبة والاستغفار دائمًا، وأن تتحرز من صغائر الآثام فضلاً عن كبارها، وأن تجعل لنفسك ساعة قبل النوم تحاسبها فيها على ما عملت من خير أو شر، وأن تحرص على الوقت فهو الحياة فلا تصرف جزءًا منه من غير فائدة، وأن تتورع عن الشبهات حتى لا تقع في الحرام.
32 - أن تُجاهد نفسك جهادًا عنيفًا حتى يسلس قيادتها لك، وأن تغض طرفك وتضبط عاطفتك وتقاوم نوازع الغريزة في نفسك، وتسمو بها دائمًا إلى الحلال الطيب، وتحول بينها وبين الحرام من ذلك أيًّا كان.
33 - أن تتجنب الخمر والمسكر والمفتر وكل ما هو من هذا القبيل كل الاجتناب.
34 - أن تبتعد عن أقران السوء وأصدقاء الفساد وأماكن المعصية والإثم.
35 - أن تُحارب أماكن اللهو، فضلاً عن أن تقربها، وأن تبتعد عن مظاهر الترف والرخاوة جميعًا.
36 - أن تعرف أعضاء كتيبتك فردًا فردًا معرفةً تامةً، وتعرفهم نفسك معرفة تامة كذلك، وتؤدي حقوق أخوتهم كاملة من الحب والتقدير والمساعدة والإيثار، وأن تحضر اجتماعاتهم فلا تتخلف عنها إلا بعذر قاهر، وتؤثرهم بمعاملتك دائمًا.
37 - أن تتخلى عن صلتك بأية هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة فكرتك وخاصة إذا أُمرت بذلك.
38 - أن تعمل على نشر دعوتك في كل مكان وأن تحيط القيادة علمًا بكل ظروفك ولا تقدم على عمل يؤثر فيها تأثيرًا جوهريًا إلا بإذن، وأن تكون دائم الاتصال الروحي والعملي بها، وأن تعتبر نفسك دائمًا جنديًا في الثكنة تنتظر الأوامر.
أيها الأخ الصادق
هذا مجمل لدعوتك، وبيان موجز لفكرتك، وتستطيع أن تجمع هذه المبادئ في خمس كلمات: (الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن شرعتنا، والجهاد سبيلنا، والشهادة أمنيتنا).
وأن تجمع مظاهرها في خمس كلمات أخرى: البساطة، والتلاوة، والصلاة، والجندية، والخلق.
فخذ نفسك بشدة بهذه التعاليم، وإلا ففي صفوف القاعدين متسع للكسالى والعابثين.
وأعتقد أنك إن عملت بها وجعلتها أمل حياتك وغاية غايتك، كان جزاؤك العزة في الدنيا والخير والرضوان في الآخرة، وأنت منا ونحن منك، وإن انصرفت عنها وقعدت عن العمل لها فلا صلة بيننا وبينك، وإن تصدرت فينا المجالس وحملت أفخم الألقاب وظهرت بيننا بأكبر المظاهر، وسيحاسبك الله على قعودك أشد الحساب، فاختر لنفسك ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ* وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ (الصف:10-14
ماهى أبرز أدبيات وأفكار جماعة الخوان المسلمين ؟
أركان البيعة والأصول العشرون
فهذه رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من (الإخوان المسلمون)، الذين آمنوا بسموِّ دعوتهم، وقدسية فكرتهم، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها، أو يموتوا في سبيلها، إلى هؤلاء (الإخوان) فقط أوجه هذه الكلمات، وهي ليست دروسًا تحفظ؛ ولكنها تعليمات تنفَّذ، فإلى العمل أيها الإخوان الصادقون: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (التوبة: 105)، ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (الأنعام: 153).
أما غير هؤلاء.. فلهم دروس ومحاضرات، وكتب ومقالات، ومظاهر وإداريات، ولكلٍّ وجهةٌ هو مولِّيها فاستبقوا الخيرات، وكلاً وعد الله الحسنى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
"حسن البنَّا"
أركان البيعة
أيها الإخوان الصادقون، أركان بيعتنا عشرة فاحفظوها:
الفهم، والإخلاص، والعمل، والجهاد، والتضحية، والطاعة، والثبات، والتجرد، والأخوَّة، والثقة.
1 - الفهم
إنما أريدُ بالفهم: أن توقن بأن فكرتنا إسلامية صميمة، وأن تفهم الإسلام كما نفهمه، في حدود هذه الأصول العشرين الموجزة كل الإيجاز:
الأصول العشرون
1 - الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا؛ فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون، أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنًى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء.
2 - والقرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم في تعرُّف أحكام الإسلام، ويفهم القرآن طبقًا لقواعد اللغة العربية من غير تكلُّف ولا تعسُّف، ويرجع في فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات.
3 - وللإيمان الصادق والعبادة الصحيحة والمجاهدة نور وحلاوة يقذفهما الله في قلب من يشاء من عباده؛ ولكن الإلهام والخواطر والكشف والرؤى ليست من أدلة الأحكام الشرعية، ولا تعتبر إلا بشرط عدم اصطدامها بأحكام الدين ونصوصه.
4 - والتمائم والرُّقى، والوَدعُ والرَمْلُ، والمعرفة والكهانة، وادعاء معرفة الغيب وكل ما كان من هذا الباب منكر تجب محاربته إلا ما كان آية من قرآن أو رقية مأثورة.
5 - ورأي الإمام ونائبه فيما لا نصَّ فيه، وفيما يحتمل وجوهًا عدة، وفي المصالح المرسلة، معمول به ما لم يصطدم بقاعدة شرعية، وقد يتغير بحسب الظروف والعرف والعادات، والأصل في العبادات التعبد دون الالتفات إلى المعاني، وفي العادات الالتفات إلى الأسرار والحكم والمقاصد.
6 - وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم- صلى الله عليه وسلم- وكل ما جاء عن السلف- رضوان الله عليهم- موافقًا للكتاب والسنة قَبِلْناه، وإلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالاتباع؛ ولكنا لا نعرض للأشخاص فيما اختلف فيه بطعن أو تجريح، ونَكِلُهم إلى نيَّاتهم وقد أفضوا إلى ما قدموا.
7 - ولكل مسلم لم يبلغ درجة النظر في أدلة الأحكام الفرعية أن يتبع إمامًا من أئمة الدِّين، ويحسن به مع هذا الاتباع أن يجتهد ما استطاع في تعرف أدلته، وأن يتقبل كل إرشاد مصحوب بالدليل متى صحَّ عنده صلاح من أرشده وكفايته، وأن يستكمل نقصه العلمي إن كان من أهل العلم حتى يبلغ درجة النظر.
8 - والخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سببًا للتفرق في الدين، ولا يؤدي إلى خصومة ولا بغضاء، ولكل مجتهد أجره، ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة، من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب.
9 - وكل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نُهِينَا عنه شرعًا، ومن ذلك كثرة التفريعات للأحكام التي لم تقع، والخوض في معاني الآيات القرآنية الكريمة التي لم يصل إليها العلم بعد، والكلام في المفاضلة بين الأصحاب- رضوان الله عليهم- وما شجر بينهم من خلاف، ولكل منهم فضلُ صحبتِهِ وجزاءُ نيتِهِ، وفي التأول مندوحة.
10 - ومعرفة الله- تبارك وتعالى- وتوحيده وتنزيهه أسمى عقائد الإسلام، وآيات الصفات وأحاديثها الصحيحة وما يليق بذلك من التشابه، نؤمن بها كما جاءت من غير تأويل ولا تعطيل، ولا نتعرض لما جاء فيها من خلاف بين العلماء، ويسعنا ما وسع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ (آل عمران: 7).
11 - وكل بدعة في دين الله لا أصل لها استحسنها الناس بأهوائهم؛ سواء بالزيادة فيه أو بالنقص منه ضلالة، تجب محاربتها والقضاء عليها بأفضل الوسائل التي لا تؤدي إلى ما هو شر منها.
12 - والبدعة الإضافية والتَّركِيَّة والالتزام في العبادات المطلقة خلاف فقهي، لكلٍّ فيه رأيه، ولا بأس بتمحيص الحقيقة بالدليل والبرهان.
13 - ومحبة الصالحين واحترامهم والثناء عليهم بما عُرِف من طيب أعمالهم قربة إلى الله- تبارك وتعالى- والأولياء هم المذكورون بقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ (يونس: 63)، والكرامة ثابتة بشرائطها الشرعية، مع اعتقاد أنهم- رضوان الله عليهم- لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا في حياتهم أو بعد مماتهم، فضلاً عن أن يهبوا شيئًا من ذلك لغيرهم.
14 - وزيارة القبور أيًّا كانت سنة مشروعة بالكيفية المأثورة؛ ولكن الاستعانة بالمقبورين أيًّا كانوا، ونداؤهم لذلك، وطلب قضاء الحاجات منهم عن قرب أو بعد، والنذر لهم، وتشييد القبور وسترها وإضاءتها، والتمسح بها، والحلف بغير الله، وما يلحق بذلك من المبتدعات.. كبائر تجب محاربتها، ولا نتأول لهذه الأعمال سدًّا للذريعة.
15 - والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله تعالى بأحد من خلقه خلاف فرعي في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة.
16 - والعرف الخاطئ لا يغير حقائق الألفاظ الشرعية؛ بل يجب التأكد من حدود المعاني المقصود بها، والوقوف عندها، كما يجب الاحتراز من الخداع اللفظي في كل نواحي الدنيا والدين، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء.
17 - والعقيدة أساس العمل، وعمل القلب أهم من عمل الجارحة، وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعًا وإن اختلفت مرتبتا الطلب.
18 - والإسلام يحرر العقل، ويحث على النظر في الكون، ويرفع قدر العلم والعلماء، ويرحب بالصالح والنافع من كل شيء، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.
19 - وقد يتناول كل من النظر الشرعي والنظر العقلي ما لا يدخل في دائرة الآخر، ولكنهما لن يختلفا في القطعي، فلن تصطدم حقيقة علمية صحيحة بقاعدة شرعية ثابتة، ويؤول الظني منهما ليتفق مع القطعي، فإن كانا ظنيين فالنظر الشرعي أولى بالاتباع حتى يثبت العقلي أو ينهار.
20 - ولا نكفِّر مسلمًا أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض برأي أو بمعصية إلا إن أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، أو كذَّب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملاً لا يحتمل تأويلاً غير الكفر.
وإذا علم الأخ المسلم دينه في هذه الأصول، فقد عرف معنى هتافه دائمًا (القرآن دستورنا والرسول قدوتنا.(
2 - الإخلاص
وأريد بالإخلاص: أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله، وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر، وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة، لا جندي غرض ومنفعة، ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأنعام:162)، وبذلك يفهم الأخ المسلم معنى هتافه الدائم (الله غايتنا) و(الله أكبر ولله الحمد ).
3 - العمل
وأريد بالعمل: ثمرة العلم والإخلاص: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (التوبة:)105.
ومراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق:
1 - إصلاح نفسه حتى يكون: قوي الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب, سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظمًا في شؤونه، نافعًا لغيره، وذلك واجب كل أخ على حدته.
2 - وتكوين بيت مسلم، بأن يحمل أهله على احترام فكرته، والمحافظة على آداب الإسلام في مظاهر الحياة المنزلية، وحسن اختيار الزوجة، وتوقيفها على حقها وواجبها، وحسن تربية الأولاد، والخدم وتنشئتهم على مبادئ الإسلام، وذلك واجب كل أخ على حدته كذلك.
3 - وإرشاد المجتمع، بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف، والمبادرة إلى فعل الخير، وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائمًا، وذلك واجب كل أخ على حدته، وواجب الجماعة كهيئة عاملة.
4 - وتحرير الوطن بتخليصه من كل سلطان أجنبي غير إسلامي سياسي أو اقتصادي أو روحي.
5 - وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، وبذلك تؤدي مهمتها كخادم للأمة وأجير عندها وعامل على مصلحتها، والحكومة إسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مؤدين لفرائض الإسلام غير متجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه، ولا بأس أن نستعين بغير المسلمين عند الضرورة في غير مناصب الولاية العامة ولا عبرةَ بالشكل الذي تتخذه ولا بالنوع، مادام موافقًا للقواعد العامة في نظام الحكم الإسلامي ، ومن صفاتها: الشعور بالتبعية، والشفقة، على الرعية، والعدالة بين الناس، والعفة عن المال العام، والاقتصاد فيه، ومن واجباتها: صيانة الأمن، وإنفاذ القانون، ونشر التعليم، وإعداد القوة، وحفظ الصحة، ورعاية المنافع العامة، وتنمية الثروة، وحراسة المال، وتقوية الأخلاق، ونشر الدعوة، ومن حقها- متى أدت واجبها-: الولاء والطاعة، والمساعدة بالنفس والأموال، فإذا قصرت: فالنصح والإرشاد، ثم الخلع والإبعاد، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
6 - إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية، بتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقريب ثقافتها وجمع كلمتها، حتى يؤدي ذلك كله إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة.
7 - وأستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام في ربوعه ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ﴾ (الأنفال:39)، ﴿وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (التوبة:32).
وهذه المراتب الأربعة الأخيرة تجب على الجماعة متحدة وعلى كل أخ باعتباره عضوًا في الجماعة، وما أثقلها تبعات وما أعظمها مهمات، يراها الناس خيالاً ويراها الأخ المسلم حقيقةً, ولن نيأس أبدًا، ولنا في الله أعظم الأمل ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف:21).
4 - الجهاد
وأريد بالجهاد: الفريضة الماضية إلى يوم القيامة والمقصود بقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "من مات ولم يغز ولم ينو الغزو مات ميتة جاهلية"، وأول مراتبه إنكار القلب، وأعلاها القتال في سبيل الله، وبين ذلك جهاد اللسان والقلم واليد وكلمة الحق عند السلطان الجائر، ولا تحيا دعوة إلا بالجهاد، وبقدر سمو الدعوة وسعة أفقها، تكون عظمة الجهاد في سبيلها، وضخامة الثمن الذي يطلب لتأييدها، وجزالة الثواب للعاملين: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ (الحج:78)، وبذلك تعرف معنى هتافك الدائم: (الجهاد سبيلنا).
5 - التضحية
وأريد بالتضحية: بذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شيء في سبيل الغاية، وليس في الدنيا جهاد لا تضحيةَ معه، ولا تضيع في سبيل فكرتنا تضحية، وإنما هو الأجر الجزيل والثواب الجميل ومن قعد عن التضحية معنا فهو آثم: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾ الآية، ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ..﴾ الآية، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ﴾ الآية, ﴿فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حسنًا﴾، وبذلك تعرف معنى هتافك الدائم: (والموت في سبيل الله أسمى أمانينا).
6 - الطاعة
وأريد بالطاعة: امتثال الأمر وإنفاذه توًا في العسر واليسر والمنشط والمكره، وذلك أن مراحل هذه الدعوة ثلاث:
التعريف: بنشر الفكرة العامة بين الناس، ونظام الدعوة في هذه المرحلة نظام الجمعيات الإدارية، ومهمتها العمل للخير العام ووسيلتها الوعظ والإرشاد تارة وإقامة المنشآت النافعة تارة أخرى، إلى غير ذلك من الوسائل العملية، وكل شعب الإخوان القائمة الآن تمثل هذه المرحلة من حياة الدعوة، وينظمها القانون الأساسي، وتشرحها وسائل الإخوان وجريدتهم، والدعوة في هذه المرحلة عامة.
ويتصل بالجماعة فيها كل مَن أراد من الناس متى رغب المساهمة في أعمالها ووعد بالمحافظة على مبادئها، وليست الطاعة التامة لازمة في هذه المرحلة بقدر ما يلزم فيها احترام النظم والمبادئ العامة للجماعة.
التكوين: باستخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد وضم بعضها إلى بعض، ونظام الدعوة- في هذه المرحلة- صوفي بحت من الناحية الروحية، وعسكري بحت من الناحية العملية، وشعار هاتين الناحيتين (أمر وطاعة) من غير تردد ولا مراجعة ولا شك ولا حرج، وتمثل الكتائب الإخوانية هذه المرحلة من حياة الدعوة، وتنظمها رسالة المنهج سابقًا، وهذه الرسالة الآن.
والدعوة فيها خاصة لا يتصل بها إلا مَن استعد استعدادًا تامًا حقيقيًا لتحمل أعباء جهاد طويل المدى كثير التبعات، وأول بوادر هذا الاستعداد كمال الطاعة.
التنفيذ: والدعوة في هذه المرحلة جهاد لا هوادة معه، وعمل متواصل في سبيل الوصول إلى الغاية، وامتحان وابتلاء لا يصبر عليهما إلا الصادقون، ولا يكفل النجاح في هذه المرحلة إلا كمال الطاعة كذلك وعلى هذا بايع الصف الأول من الإخوان المسلمين في يوم 5 ربيع الأول سنة 1359هـ.
وأنت بانضمامك إلى هذه الكتيبة، وتقبلك لهذه الرسالة، وتعهدك بهذه البيعة، تكون في الدور الثاني، وبالقرب من الدور الثالث، فقدِّر التبعة التي التزمتها وأعدّ نفسك للوفاء بها.
7 - الثبات
وأريد بالثبات: أن يظل الأخ عاملاً مجاهدًا في سبيل غايته مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات والأعوام، حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنيين، فإما الغاية وإما الشهادة في النهاية، ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب:23)، والوقت عندنا جزء من العلاج، والطريق طويلة المدى بعيدة المراحل كثيرة العقبات، ولكنها وحدها التي تؤدي إلى المقصود مع عظيم الأجر وجميل المثوبة.
وذلك أن كل وسيلة من وسائلنا الست تحتاج إلى حسن الإعداد وتحين الفرص ودقة الإنفاذ، وكل ذلك مرهون بوقته ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ (الاسراء:51).
8 - التجرد
أريد بالتجرد: أن تتخلص لفكرتك مما سواها من المبادئ والأشخاص؛ لأنها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها: ﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً﴾ (البقرة:138)، ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ (الممتحنة:4).
والناس عند الأخ الصادق واحد من ستة أصناف: مسلم مجاهد، أو مسلم قاعد، أو مسلم آثم، أو ذمي معاهد، أو محايد، أو محارب، ولكل حكمه في ميزان الإسلام، وفي حدود هذه الأقسام توزن الأشخاص والهيئات، ويكون الولاء أو العداء.
9 - الأخوة
وأريد بالأخوة: أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها، والأخوة أخت الإيمان، والتفرق أخو الكفر، وأول القوة: قوة الوحدة، ولا وحدة بغير حب، وأقل الحب: سلامة الصدر، وأعلاه: مرتبة الإيثار، ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الحشر:9).
والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه؛ لأنه إن لم يكن بهم، فلن يكون بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره، "وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية"، "والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا"، ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ (التوبة:71)، وهكذا يجب أن نكون.
10 - الثقة
وأريد بالثقة: اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه اطمئنانًا عميقًا ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة، ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (النساء:65).
والقائد جزء من الدعوة، ولا دعوةَ بغير قيادة، وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة، وإحكام خططها، ونجاحها في الوصول إلى غايتها، وتغلبها على ما يعترضها من عقبات ﴿فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ﴾ (محمد:20-21).
وللقيادة في دعوة الإخوان حق الوالد بالرابطة القلبية، والأستاذ بالإفادة العلمية، والشيخ بالتربية الروحية، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة، ودعوتنا تجمع هذه المعاني جميعًا، والثقة بالقيادة هي كل شيء في نجاح الدعوات.
ولهذا يجب أن يسأل الأخ الصادق نفسه هذه الأسئلة ليتعرف على مدى ثقته بقيادته:
1 - هل تعرف إلى قائده من قبل ودرس ظروف حياته؟
2 - هل اطمأن إلى كفايته وإخلاصه؟
3 - هل هو مستعد لاعتبار الأوامر التي تصدر إليه من القيادة في غير معصية طبعًا قاطعًة لا مجال فيها للجدل ولا للتردد ولا للانتقاص ولا للتحوير مع إبداء النصيحة والتنبيه إلى الصواب؟
4 - هل هو مستعد لأن يفترض في نفسه الخطأ وفي القيادة الصواب، إذا تعارض أمر ما به مع ما تعلم في المسائل الاجتهادية التي لم يرد فيها نص شرعي؟
5 - هل هو مستعد لوضع ظروفه الحيوية تحت تصرف الدعوة؟ وهل تملك القيادة في نظره حق الترجيح بين مصلحته الخاصة ومصلحة الدعوة العامة.
بالإجابة على هذه الأمثلة وأشباهها يستطيع الأخ الصادق أن يطمئن على مدى صلته بالقائد، وثقته به، والقلوب بيد الله يصرفها كيف يشاء ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌا (الأنفال:63.
واجبات الأخ العامل
أيها الأخ الصادق: إن إيمانك بهذه البيعة يوجب عليك أداء هذه الواجبات حتى تكون لبنة قوية في البناء:
1 - أن يكون لك ورد يومي من كتاب الله لا يقل عن جزء، واجتهد ألا تختم في أكثر من شهر، ولا في أقل من ثلاثة أيام.
2 - أن تحسن تلاوة القرآن والاستماع إليه والتدبر في معانيه، وأن تدرس السيرة المطهرة وتاريخ السلف بقدر ما يتسع له وقتك، وأقل ما يكفي في ذلك كتاب (حماة الإسلام)، وإن تكثر من القراءة في حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم، وأن تحفظ أربعين حديثًا على الأقل ولتكن الأربعين النووية، وأن تدرس رسالة في أصول العقائد ورسالة في فروع الفقه.
3 - أن تبادر بالكشف الصحي العام وأن تأخذ في علاج ما يكون فيك من أمراض، وتهتم بأسباب القوة والوقاية الجسمانية وتبتعد عن أسباب الضعف الصحي.
4 - أن تبتعد عن الإسراف في قهوة البن والشاي، ونحوها من المشروبات المنبهة، فلا تشربها إلا لضرورة، وأن تمتنع بتاتًا عن التدخين.
5 - أن تُعنى بالنظافة في كل شيء في المسكن والملبس والمطعم والبدن ومحل العمل، فقد بني الدين على النظافة.
6 - أن تكون صادق الكلمة فلا تكذب أبدًا.
7 - أن تكون وفيًا بالعهد والكلمة والوعد، فلا تخلف مهما كانت الظروف.
8 - أن تكون شجاعًا عظيم الاحتمال، وأفضل الشجاعة الصراحة في الحق وكتمان السر، والاعتراف بالخطأ والإنصاف من النفس وملكها عند الغضب.
9 - أن تكون وقورًا تؤثر الجد دائمًا، ولا يمنعك الوقار من المزاح الصادق والضحك في تبسم.
10 - أن تكون شديد الحياء دقيق الشعور، عظيم التأثر بالحسن والقبح، تسر للأول وتتألم للثاني، وأن تكون متواضع في غير ذلة ولا خنوع ولا ملق، وأن تطلب أقل من مرتبتك لتصل إليها.
11 - أن تكون عادلاً صحيح الحكم في جميع الأحوال، لا ينسيك الغضب الحسنات ولا تغضي عين الرضا عن السيئات، ولا تحملك الخصومة على نسيان الجميل، وتقول الحق ولو كان على نفسك أو على أقرب الناس إليك وإن كان مرَّا.
12 - أن تكون عظيم النشاط مدربًا على الخدمات العامة، تشعر بالسعادة والسرور إذا استطعت أن تقدم خدمة لغيرك من الناس، فتعود المريض وتساعد المحتاج وتحمل الضعيف وتواسي المنكوب ولو بالكلمة الطيبة، وتبادر دائمًا إلى الخيرات.
13 - أن تكون رحيم القلب كريمًا سمحًا تعفو وتصفح وتلين وتحلم وترفق بالإنسان والحيوان, جميل المعاملة حسن السلوك مع الناس جميعًا، محافظًا على الآداب الإسلامية الاجتماعية فترحم الصغير وتوقر الكبير وتفسح في المجلس، ولا تتجسس ولا تغتاب ولا تصخب، وتستأذن في الدخول والانصراف.. إلخ.
14 - أن تجيد القراءة والكتابة، وأن تكثر من المطالعة في رسائل الإخوان وجرائدهم ومجلاتهم ونحوها، وأن تكون لنفسك مكتبة خاصة مهما كانت صغيرة، وأن تتبحر في علمك وفنك إن كنت من أهل الاختصاص، وأن تلم بالشئون الإسلامية العامة إلمامًا يمكنك من تصورها والحكم عليها حكمًا يتفق مع مقتضيات الفكرة.
15 - أن تزاول عملاً اقتصاديًا مهما كنت غنيًا، وأن تقدم العمل الحر مهما كان ضئيلا، وأن تزج بنفسك فيه مهما كانت مواهبك العلمية.
16 - ألا تحرص على الوظيفة الحكومية، وأن تعتبرها أضيق أبواب الرزق ولا ترفضها إذا أتيحت لك، ولا تتخل عنها إلا إذا تعارضت تعارضًا تامًا مع واجبات الدعوة.
17 - أن تحرص كل الحرص على أداء مهنتك من حيث الإجادة والإتقان وعدم الغش وضبط الموعد.
18 - أن تكون حسن التقاضي لحقِّك، وأن تؤدي حقوق الناس كاملة غير منقوصة بدون طلب، ولا تماطل أبدًا.
19 - أن تبتعد عن الميسر بكل أنواعه مهما كان المقصد من ورائها، وتتجنب وسائل الكسب الحرام مهما كان وراءها من ربح عاجل.
20 - أن تبتعد عن الربا في جميع المعاملات وأن تطهر منه تمامًا.
21 - أن تخدم الثروة الإسلامية العامة بتشجيع المصنوعات والمنشآت الاقتصادية الإسلامية، وأن تحرص على القرش فلا يقع في يد غير إسلامية مهما كانت الأحوال، ولا تلبس ولا تأكل إلا من صنع وطنك الإسلامي.
22 - أن تشترك في الدعوة بجزء من مالك، تؤدي الزكاة الواجبة فيه، وأن تجعل منه حقًا معلومًا للسائل والمحروم مهما كان دخلك ضئيلاً.
23 - أن تدخر للطوارئ جزءًا من دخلك مهما قلَّ، وألا تتورط في الكماليات أبدًا.
24 - أن تعمل ما استطعت على إحياء العادات الإسلامية وإماتة العادات الأعجمية في كل مظاهر الحياة، ومن ذلك التحية واللغة والتاريخ والزي والأثاث، ومواعيد العمل والراحة, والطعام والشراب، والقدوم والانصراف، والحزن والسرور.. إلخ، وأن تتحرى السنة المطهرة في ذلك.
25 - أن تقاطع المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامي، والأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك الإسلامية مقاطعة تامة.
26 - أن تديم مراقبة الله تبارك وتعالى، وتذكر الآخرة وتستعد لها، وتقطع مراحل السلوك إلى رضوان الله بهمَّة وعزيمة، وتتقرب إليه سبحانه بنوافل العبادة ومن ذلك صلاة الليل وصيام ثلاثة أيام من كل شهر على الأقل، والإكثار من الذكر القلبي واللساني، وتحرِّي الدعاء المذكور في كل الأحوال.
27 - أن تحسن الطهارة وأن تظل على وضوء غالب الأحيان.
28 - أن تحسن الصلاة وتواظب على أدائها في أوقاتها، وتحرص على الجماعة والمسجد ما أمكن ذلك.
29 - أن تصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، وتعمل على ذلك إن لم تكن مستطيعًا الآن ذلك.
30 - أن تستصحب دائمًا نية الجهاد وحب الشهادة وأن تستعد لذلك ما وسعك الاستعداد.
31 - أن تجدد التوبة والاستغفار دائمًا، وأن تتحرز من صغائر الآثام فضلاً عن كبارها، وأن تجعل لنفسك ساعة قبل النوم تحاسبها فيها على ما عملت من خير أو شر، وأن تحرص على الوقت فهو الحياة فلا تصرف جزءًا منه من غير فائدة، وأن تتورع عن الشبهات حتى لا تقع في الحرام.
32 - أن تُجاهد نفسك جهادًا عنيفًا حتى يسلس قيادتها لك، وأن تغض طرفك وتضبط عاطفتك وتقاوم نوازع الغريزة في نفسك، وتسمو بها دائمًا إلى الحلال الطيب، وتحول بينها وبين الحرام من ذلك أيًّا كان.
33 - أن تتجنب الخمر والمسكر والمفتر وكل ما هو من هذا القبيل كل الاجتناب.
34 - أن تبتعد عن أقران السوء وأصدقاء الفساد وأماكن المعصية والإثم.
35 - أن تُحارب أماكن اللهو، فضلاً عن أن تقربها، وأن تبتعد عن مظاهر الترف والرخاوة جميعًا.
36 - أن تعرف أعضاء كتيبتك فردًا فردًا معرفةً تامةً، وتعرفهم نفسك معرفة تامة كذلك، وتؤدي حقوق أخوتهم كاملة من الحب والتقدير والمساعدة والإيثار، وأن تحضر اجتماعاتهم فلا تتخلف عنها إلا بعذر قاهر، وتؤثرهم بمعاملتك دائمًا.
37 - أن تتخلى عن صلتك بأية هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة فكرتك وخاصة إذا أُمرت بذلك.
38 - أن تعمل على نشر دعوتك في كل مكان وأن تحيط القيادة علمًا بكل ظروفك ولا تقدم على عمل يؤثر فيها تأثيرًا جوهريًا إلا بإذن، وأن تكون دائم الاتصال الروحي والعملي بها، وأن تعتبر نفسك دائمًا جنديًا في الثكنة تنتظر الأوامر.
أيها الأخ الصادق
هذا مجمل لدعوتك، وبيان موجز لفكرتك، وتستطيع أن تجمع هذه المبادئ في خمس كلمات: (الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن شرعتنا، والجهاد سبيلنا، والشهادة أمنيتنا).
وأن تجمع مظاهرها في خمس كلمات أخرى: البساطة، والتلاوة، والصلاة، والجندية، والخلق.
فخذ نفسك بشدة بهذه التعاليم، وإلا ففي صفوف القاعدين متسع للكسالى والعابثين.
وأعتقد أنك إن عملت بها وجعلتها أمل حياتك وغاية غايتك، كان جزاؤك العزة في الدنيا والخير والرضوان في الآخرة، وأنت منا ونحن منك، وإن انصرفت عنها وقعدت عن العمل لها فلا صلة بيننا وبينك، وإن تصدرت فينا المجالس وحملت أفخم الألقاب وظهرت بيننا بأكبر المظاهر، وسيحاسبك الله على قعودك أشد الحساب، فاختر لنفسك ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ* وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ (الصف:10-14