الأحد، مارس ٢٩، ٢٠٠٩

المتغير الوحيد للسياسات الأمريكية فى الشرق الأوسط



المتغير الوحيد للسياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط

طل علينا الرئيس الأمريكى من شرفة جديده مزينة بالورود ويبدو فى حلة جميله ومنظر مشهود( نيو لوك ) , هذا هو المشهد باختصار للسياسة الأمريكية الجديدة فى الشرق الأوسط ويبدو أنه تغيير فى الشكل والأسلوب وليس تغييرا فى المضمون والنتائج وهكذا تبدو الأمور كما هى ولكن بشكل أقل كآبة من ذى قبل
ولو حللنا السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط منذ مجئ أوباما للحكم نجدها استمرارا لنهج سلفه جورج دبليو بوش إن لم تكن أكثر سوءا بل تختلف قليلا بأنها أكثر قسوة ولكنها أكثر واقعية ( برجماتية )
1 – الوضع فى العراق
عتدما أعلن أوباما عن استراتيجيته الجديدة فى العراق حيث أعلن فى برنامجه الإنتخابى حين كان مرشحا للإنتخابات الأمريكية بأنه سينسحب بالكامل من العراق حين توليه سدة الحكم فى البيت الأبيض خلال عامين , ولكن الرجل أعلن بالفعل عن انسحاب القوات الأمريكية من العراق ولكن طبقا للخطة التى أرساها بوش قبل تركه البيت الأبيض وطبقا للإتفاقية الأمنية الأمريكية العراقية التى أبرمها بوش ولكن الملاحظ أن أوباما بقى على عشرات الآلاف من الجنود وهو يمثل ربع القوات المتواجده هناك الآن فى وضع أكثر أمانا وهدوء تاركا المهام الأمنية الخطرة للقوات العراقية مع التدخل فى أى لحظة لهذه القوات فى الشأن الأمنى , وكانت محصلة هذه الإستراتيجية هى البقاء الدائم لعدد كبير من القوات الأمريكية فى العراق وبقاء أمنى وسياسى وعسكرى واقتصادى أيضا دائم طبقا للإتفاقيات الأمنية المبرمة بين الجانبين
2 – الوضع فى أفغانستان
كانت الإستراتيجية المعلنة أسوء من سلفه بوش حيث سيزيد عدد القوات الأمريكية بشكل كبير بعد الهزيمة المرة التى تلقاها الحلفاء فى أفغانستان من قبل قوات طالبان التى تسيطر الآن على أكثر من 80 % من مساحة الأرض وباعتراف ادارة أوباما أن أمريكا والحلفاء لايكسبان الحرب فى أفغانستان وهذا يعنى الهزيمة لهذه القوات أو على الأقل الإخفاق الكبير , وزاد أوباما فى استراتيجيته الجديدة فى إقحام دول الجوار وبخاصة باكستان للعب دور أكبر فى أفغانستان وبخاصة أن باكستان تحكمها حكومة ضعيفة جاءت بها الإدارة الامريكية وهى مستعدة لتقديم المزيد من التنازلات فى الملف الأفغانى لصالح بقاءها فى الحكم

3 – الصراع العربى الصهيونى
طبقت الإدارة الجديدة الإتفاقية الأمنية التى أبرمها الكيان الصهيونى وإدارة بوش السابقة بعنفوان شديد وبصرامة غير مسبوقة ظهرت بوادرها فى الإعتداء الآثم على السودان وانتهاك أراضيه فى شهر فبراير الفائت حين سمحت الإدارة الأمريكية للطيران الحربى الصهيونى بانتهاك المجال الجوى السودانى وضرب السودان فى العمق وسقوط العشرات من الضحايا يزعم أنهم كانوا ضمن قافلة أسلحة من ايران موجهة لحركة المقاومة الإسلامية حماس فى غزة مرورا بمصر وهو الأمر الذى نفته حماس وقالت أنها ذريعة لضرب الدول المساندة للمقاومة وتخويف السودان لتطبيق أجندات أمريكية فيه وبخاصة فى دارفور والجنوب , ولاعجب أن تصدر المذكرة الشهيرة المسماه بمذكرة أوكامبو للقبض على الرئيس السودانى عمر البشير لمحاكمته أمام محكمة الجنايات الدولية بزعم اقترافه جرائم حرب فى دارفور وهى المرة الأولى فى التاريخ التى تصدر فيه هذه المذكرة لرئيس دولة لازال يحكم , وواضح أن أوكامبو هو صناعة أمريكية بامتياز حيث لايترك الرجل اى مناسبة الا ونكل بالبشير وتوعده بالقبض عليه وذهابه للقاء أوباما فى البيت الأبيض ليطلب منه القبض على البشير أثناء خروجه من السودان
ناهيك على أن السياسة الأمريكية بالنسبة للقضية الفلسطينية لم تتغير على الإطلاق بل زادت ضغوطاتها على دول الجوار فى لعب دور أكثر فى الضغط على حركات الممانعة والمقاومة لحماية الكيان الصهيونى تجلت صوره فى الضغط على قطر لعدم استضافة حركات المقاومة وحركة حماس تحديدا ضمن الوفد الفلسطينى لقمة الدوحة وتصريح رئيس الوزراء القطرى الغريب بأن قطر قد تابت ولن تدعو حركة حماس مطلقا للقمة وتكراره أنه تاب وتاب وتاب , ولاأظن أن توبة قطر ورئيس وزرائها بسبب ضغط مايسمى بدول الإعتدال ( مصر – السعودية – الإمارات – الأردن ) ولكن بضغوط أمريكية واضحة وبخاصة تعثر جهود المصالحة التى قادتها السعودية للتقريب بين قطر ومصر
وعلى صعيد الداخل الفسطينى وجهود المصالحة فإن هناك قرار أمريكى لأبو مازن بالمصالحة بمساعدة مايسمى بدول الإعتدال وذلك لاستيعاب حماس بعد الفشل الذريع لإخضاعها عن طريق الحصار والحرب ولكن من دون أى تنازل عن شروط الرباعية التى تريد من حماس الإعتراف باسرائيل ونبذ الإرهاب والإعتراف بالإتفاقيات المبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الكيان الصهيونى وشرط لأى اعتراف بأى حكومة فلسطينية قادمة وهو ماأدى لتعثر جهود المصالحة فى القاهرة والدليل على ذلك الزيارة التى قام بها عمر سليمان لأمريكا وتلقيه ردود واضحة وصلت لقادة حماس فى دمشق عن طريق نائب رئيس المخابرات المصرية أنه لاتغيير فى السياسة الأمركية تجاه شروط الرباعية الدولية وأن الحصار سيستمر على غزة بل أن الإدارة الأمريكية ستطبق الإتفاقية الأمنية بينها وبين الكيان الصهيونى بصرامة شديدة فى ما يتعلق بما يسمى بتهريب الأسلحة للمقاومة وظهر ذلك فى التشديد على الحدود المصرية مع قطاع غزة والإعتداء عل السودان
4 – الملف الإيرانى
أرسل أوباما رسالة ناعمة غير مسبوقة لإيران قيادة وشعبا فى عيد النيروز الإيرانى هنأهم بالعيد من جانب وظلت مطالبه لإيران كما هى لم تتغير لوقف برنامجها النووى من غير أى تنازل فى ذلك الجانب الأمر الذى جعل قائد الثورة الإيرانية يرد عليه بذكاء سياسى غير معهود بقوله نحن نريد أفعالا ولكن نريد أقوالا , وهذه السياسة الأمريكية الجديدة نحو ايران هى أيضا فى الشكل وليس المضمون ولإدراك أوباما أن مشكلته مع ايران لن تحل بالقوة بسبب قوة ايران الكبيرة على الصعيد العسكرى الإستراتيجى وبخاصة فى المجال الصاروخى
الإدارة الامريكية مشغولة بالأزمات المالية وتبعاتها على الإقتصاد الأمريكى ومشغولة بتحسين صورتها أمام العالم من أجل مصالحهاالخاصة سياسيا واقتصاديا وعسكريا والفارق الوحيد بينها وبين إدارة بوش السابقة هو أن بوش كان ينفذ السياسات الأمريكية بطريقة خشنه وأوباما ينفذها بطريقة ناعمة وهذا هو المتغير الوحيد للسياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط
د محمد يوسف