الخميس، فبراير ٠٥، ٢٠٠٩

ولازالت المعركة مستمرة




ولازالت المعركة مستمرة
لايظن ظان أن الحرب على غزة قد هدأت أو توقفت , بل استعرت وهى الآن فى أخطر مراحلها وهو صراع شديد بين قطبين , واحد يمثل المقاومة والممانعة والآخر يمثل الإستسلام والإنبطاح للمشروع الصهيونى .
صحيح أن العدو الصهيونى قد أعلن وقف إطلاق النار من جانب واحد وأن أزيز الطائرات قد هدأ نسبيا وقذائف المدفعية قد تراجعت واجتياح الدبابات قد توقف , لكن كل ذلك مؤقت ويمكن أن تتفجر الأوضاع فى أى وقت .
لكن معركة تدور الآن هى الأشرس فى كواليس السياسة لكى يحقق العدو الصهيونى بالسياسة مالم يحققه عن طريق الميدان والمواجهة العسكرية
لكى نحلل ونفسر مايجرى وجب علينا التنوية لنتائج الحرب العسكرية على غزة والدروس المستفادة منها لمقاومة الهجمة السياسية الشرسة التى تريد قطف ثمار الصمود والنصر اللذين تحققا بسواعد المقاومة
وبما أن الحرب على غزة كانت فاصلة وحاسمة فى التاريخ فكانت نتائجها كالآتى
1 – حدث استقطاب حاد فى الداخل والخارج الفلسطينى والعالمين العربى والإسلامى وفى الدول الأوربية وحتى المنظمات الدولية
أ - تجلى هذا الإستقطاب فى ظهور العداء المستحكم للمقاومة والمساندة القوية للعدو الصهيونى من أغلب الدول الأوربية وعلى رأسها فرنسا بقيادة ساركوزى الذى لم يتوانى من اللحظة الأولى لاندلاع العدوان على غزة من التأييد الكبير والدعم اللامحدود للعدو الصهيونى وكأن الكيان الصهيونى أصبح فى حدود الدولة الفرنسية وأن المقاومة انتهكت حدود وسيادة الدولة الفرنسية وليس دفاعا من على أرضها ضد الهجمة الصهيونية الشرسة
لم يكف ساركوزى فى دعم الكيان الصهيونى ضد المقاومة بشتى الوسائل وكان آخرها إرسال فرقاطة لرقابة سواحل غزة لمنع مايزعم أنه تهريبا للسلاح الذى يدخل للمقاومة
وفى تطور لافت أصدرت رئاسة الإتحاد الأوروبى الذى تتزعمه دولة التشيك بيانا نددت فيه بالمقاومة وحملت حماس المسئولية الكاملة للحرب على غزة
ب - انضم الإتحاد الأوروبى بكامل أعضائه الأربعين للزود عن الكيان الصهيونى فى مواجهة المقاومة فى غزة ولم يشذ عن هذه القاعده سوى الحزب الاشتراكى الحاكم فى أسبانيا الذى تضامن أعضاؤه مع شعب غزة وضد العدوان مع الفرق بين موقف الحزب الحاكم والحكومة الأسبانية التى تضامنت بدورها مع الكيان الصهيونى
تجلى هذا التضامن الأوروبى مع المجازر التى ارتكبها العدو الصهيونى فى إجتماع شرم الشيخ الذى دعى له الرئيس المصرى حسنى مبارك لمناقشة تهريب السلاح لغزة وان كان العنوان المطروح هو سبل وقف القتال والتهدئة
ج - أما الدولة التركية بقيادة أردوغان فقد انحازت تماما لحماس والمقاومة وكانت ضد العدوان الغاشم على غزة وظهر الشعب التركى وقيادته مؤيدا تماما للشعب الفلسطينى ضد العدوان الصهيونى وربما سيدفع أردوغان فاتورة كبيره من رصيده السياسى بسبب انحيازه للحق الفلسطينى عن طريق اللوبى الصهيونى والدعاية الصهيونية المعادية له والتى تلاحقه الآن
د - أما على مستوى الداخل والخارج الفلسطينى فإن شرخ التباعد بين قوى المقاومة فى غزة وقوى الإستسلام فى رام الله قد زاد وظهرت بوادره فى التضييق على الفعاليات فى الضفة من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لرئيس السلطة المنتهية ولايته محمود عباس وزيادة الإعتقالات فى صفوف حركتى حماس والجهاد , وبروز دور العملاء والمخربين التابعين لرام الله فى ضرب ظهر المقاومة فى غزة والسكوت المريب لمنظمة التحرير الفلسطينية على مايجرى من عدوان فى غزة وهو مادفع بقيادة المقاومة فى الخارج متمثله فى رئيس المكتب السياسى لحركة حماس لتكوين مرجعية موازية لمنظمة التحرير تضم كل فصائل الممانعة والمقاومة فى الخارج والداخل
ه - وعلى الصعيد العربى فإن الإستقطاب الحاد قد حدث بين دول عربية تؤيد المقاومة كسوريا وقطر والجزائر والسودان بدعم ايرانى وتركى تجلت صورته فى مؤتمر الدوحه الذى ضم ممثلين عن 13 دوله عربية ولم يكتمل النصاب ليبلغ الثلثين حتى يصل 15 دولة بانسحاب اليمن ورئيس السلطة محمود عباس
وعلى الجانب الآخر يوجد الدول المصنفة أمريكيا بدول الإعتدال والمؤيدة للتسوية مع الكيان الصهيونى بأى ثمن وهى مصر والأردن والسلطة الفلسطينية والسعودية والإمارات وانضم إليهم اليمن والبحرين والمغرب وتونس , وجن جنون دول الاستسلام المعروفة أمريكيا بدول الإعتدال عندما أعلن خالد مشعل عن مرجعية المقاومة فطلبوا من محمود عباس قطع زيارته فورا لأوروبا والحضور للقاهرة للهجوم الحاد على هذه المرجعية ورص صفوف ( المعتدلين ) لتكوين جبهة موحدة بمساندة أمريكا وأوروبا لضرب هذه الفكرة وتأييد سلطة عباس وهو ماحدث باجتماع وزراء خارجية الدول التسع فى أبو ظبى بصورة عاجلة وفورية وأصدروا بيانا يدين فكرة المرجعية ويؤيد منظمة التحرير كممثل شرعى ووحيد للشعب الفلسطينى وتأييد كامل لمحمود عباس وسلطته على الرغم من أن العنوان المطروح لهذا الإجتماع هو بحث جهود المصالحة الوطنية والتهدئة , ولست أدرى إن كان هذا صحيحا فلماذا لم يدع الطرف الآخر الفلسطينى المتمثل فى الحكومة الشرعية فى غزة وقيادة المقاومة فى الخارج وكافة الفصائل ؟ وهذا دليل انحياز كامل لطرف دون آخر
و – على صعيد المنظمات الدولية حدث استقطاب بين المنظمات الأهلية التى هاجمت العدوان الصهيونى وتجهز لتوثيق جرائمه لرفع دعاوى قضائية ضده فى المحافل الدولية لارتكابه جرائم حرب وإبادة بشرية وبين الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بانكى مون الذى ظهر مؤيدا وبقوة للرؤية الصهيونية , حتى عندما زار غزة بعد العدوان لم يلتق بأى مسئول فى حكومة اسماعيل هنية بل أمر عمرو موسى فى منتدى دافوس المؤيد للكيان الصهيونى أن يجلس فى مكانه عندما هم للإنسحاب تضامنا مع انسحاب أردوغان بعد تحيز إدارة المنتدى لشمعون بيريز فى كلمته مبررا للعدوان على غزة
2 – زادت شعبية حماس فى الداخل الفلسطينى وبخاصة فى قطاع غزة وزادت شعبيتها فى الخارج بالمظاهرات المليونية العارمة فى كل مكان فى العالم وانطفأ نجم محمود عباس وفريق رام الله بدوره السلبى فى الحرب إن لم يكن مساندا ومشاركا فى العدوان
3 – فرضت المقاومة فى غزة أجندتها العسكرية على الكيان الصهيونى ونجحت فى إدارة معركه ضده لأول مرة فى التاريخ بأيادى فلسطينية خالصة وأسقطت كل أهدافه المعلنة وسطرت بذلك سجلا مشرفا فى البطولة والفداء وأحرقت ورقة مهمة كانت فى يد العدو وهى زراعه العسكرية الطويلة التى تصل لكل شئ ليحقق بها أى شئ
4 – ظهر الفرق جلى ليس بين الشعوب العربية وحكامها فقط ولكن أيضا بين الشعوب الأوربية وحكامها وظهر التمدد الصهيونى القوى فى مراكز صنع القرار داخل المنظومه الحاكمة لهذه الدول وبخاصة فى وسائل الإعلام تجلت فى رفض البى بى سى إذاعة بيان من أجل إغاثة غزة
5 – أعادت هذه الحرب للأمتين العربية والإسلامية وشعوبهما القضية الفلسطينية فى الواجهة وتباينت الأراء بشأنها لبلورة فكرة مركزية القضية من جديد
أما الملفات التى يدور حولها الصراع الآن فهى
1 – ملف التهدئة , تريد المقاومة تهدئة قصيرة الأمد ومشروطة بفتح المعابر وفك الحصار لتكون فرصة لالتقاط الأنفاس والإستعداد والجهوزية العالية للعدو من جديد , ويريد الطرف الآخر تهدئة طويلة الأمد لتعطى إيحاء بأن المقاومة قد توقفت بعد الحرب على غزة وهو مايعطى شعورا بالنصر فى الكيان الصهيونى لإسكاته المقاومة
2 – تهريب السلاح للمقاومة , جن جنون العدو الصهيونى من المفاجئات المدوية خلال الحرب من عملية بقعة الزيت التى قادتها حماس وهى القدرة الكبيرة على إطلاق الصواريخ باستمرار أثناء الحرب وزيادة مداها لتصل لأقرب نقطة فى تل أبيب وهو مايشكل تهديدا استراتيجيا لبقاء الإحتلال الصهيونى فى فلسطين , لأننا لوفرضنا أن حربا تقودها المقاومة الإسلامية فى فلسطين فى جنوب الكيان وبإطلاق الصواريخ , فإن نزوحا للسكان سيحدث إلى الشمال , ولو اندعلت حربا فى شمال الكيان تشنها المقاومة الإسلامية فى الجنوب اللبنانى بإطلاق الصواريخ فإن نزوحا للسكان سيحدث إلى الجنوب , فماذا يحدث لو شنت الحرب من الشمال والجنوب فى وقت واحد ؟ فلن يجد السكان فى هذا الكيان بدا إلا الخروج من هذا الكيان خارج فلسطين وهو مايشكل بداية النهاية لهذا الكيان الصهيونى , وشكل هذا خطا أحمرا للعدو ومن يسانده وتألبت الأحزاب من الدول المعادية المتمثلة فى اجتماع شرم الشيخ ثم باجتماعهم بأولمرت فى القدس الغربية لمنع تهريب السلاح للمقاومة بكل السبل وبأقصى درجات الإستعداد الجاد بكل الوسائل الممكنة ,وبدت ايران فى الواجهة كمصدر رئيس لإمداد المقاومة بالسلاح فى غزة وهو مادفع بحلف ( المعتدلين ) العرب لإظهار العداوة صراحة لإيران بهذا الخصوص
3 – ملف المصالحة , سلطة رام الله تريد حكومة وفاق وطنى وهو مايعنى توافق الفصائل عليها من غير أن تكون ممثلة فيها ويرضى عنها مايسمى بالجتمع الدولى وتسقط ورقة المقاومة وتعد لانتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة خلال 6 أشهر , والمقاومة تريد حكومة وحدة وطنية وهو مايعنى تمثيل الفصائل بها بأحجامها حسب انتخابات المجلس التشريعى تكون مرجعيتها المقاومة والصمود وقطع المفاوضات مع العدو
4 – ملف الإعمار , تريد المقاومة أن تذهب أموال الإعمار لأهل غزة الذين اكتووا بنار العدوان وحكومتها الرشيده أو يقوم المانحون مباشرة بإعادة الإعمار , المهم أن لاتقع فى أيدى السارقين الفاسدين فى رام الله وبخاصة أن موقفهم كان متواطئا مع العدو على غزة , وتريد الدول العربية ( المعتدلة ) وأمريكا والإتحاد الأوروبى أن تذهب هذه الأموال لسلطة محمود عباس لدعمه سياسيا وشعبيا فى مواجهة حماس
كل الملفات مفتوحة وكلها صعبة , لكن رسالة خطيرة لقوى الممانعة والمقاومة والمؤيدين لهذا الإتجاه مفادها أن المعركة لاتزال مستعرة بل أن شقها الأصعب لازال متقدا فلايجب الإسترخاء والنوم فى العسل وانتظار انقضاض العدو والهزيمة , بل الهمة العالية والبذل الأكبر , ويذكرنى ذلك بموقف النبى صلى الله عليه وسلم فى حربه ضد اليهود فى المدينة بعد استرخاء الصحابة فى منتصف الطريق والقول المأثور ( يامحمد إن الملائكة لم تضع سلاحها بعد ) فكيف نضع أسلحتنا والمعركة فى منتصف الطريق؟
د محمد يوسف