مغالطات واجب تصحيحها حول الوضع فى غزة
فى ذروة الحصار الظالم المفروض على أهلنا فى غزة أراد الموالون للمشروع الصهيونى الأمريكى تشويه صورة حماس أمام الرأى العام المحلى والإقليمى والعالمى بمغالطات لتحميلها مسئولية الحصار ومن ثم إسقاطها إما سياسيا بالإنقلاب عليها شعبيا وأن ينفض الناس من حولها فتسقط , وإن لم يفلح هذا السيناريو فيتم إسقاطها عسكريا من كل الأطراف المواليه لهذا المشروع بعد التمهيد لذلك على الأرض , وإليكم بعض هذه المغالطات
1 – حماس المسئوله عن تعطيل الحوار
وحقيقة الأمر أنه فخ نصب لحماس بمؤامرة حيكت بليل وكان الهدف منه ليس المصالحه الوطنيه ولكن تجريم المقاومه بنص ملفوف فى الورقه المصريه يتحدث عن تجريم ونبذ الإرهاب فى غزه والسلاح غير الشرعى وهذا ما اعترضت عليه حماس بأن غزه لايوجد بها إرهاب ولكن مقاومه وسلاحها شرعى , وكان الوسيط المصرى غير محايد ولم يقف على مسافة واحده من كل الأطراف بل كان متحاملا ووقف بجانب فتح ومحمود عباس , وكان الهدف الرئيس من هذا الحوار هو التمديد لرئيس السلطه محمود عباس لإخراجه من المأزق الذى ينتظره يوم 9 يناير 2009 بعد انتهاء مدة ولايته , ناهيك عن اشتراط الوسيط المصرى التوقيع على هذه الورقه المصريه قبل بدأ الحوار للإلتزام ببنودها وترحيب أبو مازن وسلطة رام الله بها وكذلك بمباركة من الإداره الأمريكيه حين وجهت كونداليزا رايس رسالة شفويه إلى خالد مشعل أثناء زيارتها الأخيره لدمشق بأن حماس عليها أن تعى الدرس من اتفاق التهدئة ولامانع لديها من الحوار الفلسطينى الداخلى إضافة على ذلك وجود 10 فصائل فلسطينيه منتقاه بأجنده مصريه فى الحوار , 7 منها مؤيده لفتح , 3 مؤيده لحماس على سبيل حسم الحوار بالتصويت المضمون لصالح فتح وهذه مغالطه كبرى لأن المشكله هى بين فتح وحماس وليس بين حماس وبقية الفصائل التى لاتمثل ثقلا يذكر فى الواقع الفلسطينى الداخلى بدليل الفوز الهذيل جدا الذى حققته فى انتخابات المجلس التشريعى الأخيره
2– إنحسارشعبية حماس وخشيتها من إنتخابات جديده رئاسية وتشريعية مبكرة ومتزامنه
والوضع الداخلى يدحض هذه المغالطه التى لا أساس لها , بدليل أن الإنتخابات تمت فى يناير 2006 وفازت بها حماس وتم الحصار فورا بعد تشكيل الحكومه العاشره بقيادة حماس التى رفضت الفصائل الإنضمام لها بيقين أنها ستسقط بعد ثلاثة أشهر وهذا لم يتم , وحتى لو جرت انتخابات جديده واكتسحتها حماس مره أخرى فلن يغير من الواقع الحالى شيئا حيث سيستمر الحصار الخانق ورفض حماس بدليل تصريحات عباس المتكرره بضرورة إلتزام حماس ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية الذى يلتزم بالمبادره العربية التى تنص على الإعتراف بدولة اسرائيل والتطبيع معها حال انسحابها من الأراضى التى احتلتها عام 67 وهى المبادره التى رفضها الكيان الصهيونى أساسا , فكيف نلزم حماس بها وبرنامجها أساسا – التى فازت به فى الإنتخابات - قائم على عدم الإعتراف بإسرائيل وأن أرض فلسطين وقف إسلامى من البحر إلى النهر بل هى بداية مع دوله فلسطينية على أراضى 67 مع هدنه طويلة الأمد من دون الإعتراف بالكيان الصهيونى , ثم ماهى العلاقه بين الإنتخابات الرئاسيه حيث تنتهى مدة عباس فى يناير 2009 والإنتخابات التشريعيه حيث تنتهى مدة المجلس الحالى فى يناير 2010 كما ينص القانون الأساسى الفلسطينى ( الدستور )
إن التقديرات التى تحدثت عن الأعداد الغفيره التى شاركت فى مهرجان إنطلاقة حماس الواحد والعشرين تتراوح بين 250 ألف و 500 ألف , ولو أخذنا بأعداد متوسطه بين هذين الرقمين , فهذا يعنى أن ربع سكان القطاع البالغ مليون ونصف قد خرج لتأييد حماس ولو استثنينا ألأعذار والمرضى والشيوخ والأطفال وعشرات الآلاف من أفراد كتائب القسام المرابطين على الجبهه وكل هذه الأعداد لم تحضر اللقاء فإن تجمعا شعبيا مؤيدا تأييدا جارفا للحركة الإسلاميه هو غير مسبوق فى التاريخ الفلسطينى
بل إن الوضع فى الضفه هو أفضل حالا من الناحية الشعبيه لحماس عنه فى غزه بدليل النتائج الباهره التى حققتها الحركه فى الإنتخابات التشريعيه الأخيره حيث كانت بعض المحافظات حكرا على حماس بالكامل مثل الخليل التى حصدت كل مقاعدها التسعه والقدس المحتله التى حصدت كل مقاعدها الخمسه وبالمقارنه بغزه فإن الحركه حصدت 60 % من المقاعد مقابل 40 % لفتح , وفى الضفه حصدت 80 % من المقاعد مقابل 20 % لفتح , أماالإجراءات التى قامت بها سلطة عباس فى الضفة من غلق المؤسسات الخيريه التابعه لحماس واعتقال الآلاف من أبناء الحركه وتجريم واعتقال المقاومين ومطاردتهم فلم تضعف من شعبية الحركه بل زادتها فى مقابل زيادة الحنق الشعبى من تصرفات عباس وفياض
وعليك الحذر من استطلاعات الرأى المكذوبه فى الضفة وغزه لأن معظم مراكز استطلاع الرأى مموله من قبل الكيان الصهيونى والغرب وهى غير محايده بدليل تنبؤها بفوز فتح على حماس فى الإنتخابات الماضيه وثبت عدم دقة هذه الإستطلاعات
ليس هناك سوى سيناريوهين للفريق المضاد لحماس فى الإصرار على الإنتخابات المبكره , الأول وهو السيناريو الراجح تزوير الإنتخابات - كما يحدث فى مصر - وإعطاء شرعيه لفريق عباس لتصفية القضيه الفلسطينيه , والسيناريو الثانى هو إجراء الإنتخابات بقانون مفصل جديد يستحيل على حماس تحقيق الأغلبيه فيه مثل نظام القوائم النسبيه أو غيره وهو يحقق نفس الغرض الأول ولكن بإخراج مقبول
3 – غلق معبر رفح بدعوى إلتزام مصر بالإتفاقيات الدوليه منها اتفاقية معبر رفح
وهذا لاأساس له من الصحة لأن إتفاقية معبر رفح التى تمت فى نوفمبر 2005 كانت بين الكيان الصهيونى والسلطه الفلسطينية والإتحاد الأوروبى برعاية أمريكية ولم تكن مصر طرفا فيها , حتى لوفرضنا جدلا بأن مصر طرفا فيها فإن القانون الدولى والإنسانى والمواثيق الدوليه والإعلان العالمى لحقوق الإنسان كلها تجرم الحصار وتجعله عقاب جماعى وجريمه ضد الإنسانيه ترقى إلى جرائم الحرب والإباده البشريه , بل تلزم هذه القوانين الدول بفتح حدودها لاستقبال اللاجئين ورعايتهم وليس تكسير أرجلهم كما صرح وزير الخارجيه المصرى أحمد أبو الغيط , بالإضافه للبعد العربى والإسلامى لقضية فلسطين التى تعتبر القضيه الأولى والإهتمام الأول
4 – الفتح الدائم لحدود مصر مع قطاع غزه خطر على الأمن القومى المصرى
مره بدعوى مايسمى بمؤامرة توطين الفلسطينيين فى سيناء , ومره بزعم وجود إماره إسلاميه فى غزه , وآخر المستجدات من أجل عودة الشرعيه المتمثله فى محمود عباس فى غزه , وشن الإعلام المصرى الموالى للنظام الرسمى حملة ضاريه للترويج لذلك منها الخبر المكذوب الذى نشر فى الأهرام بأن أحد الفلسطينيين قد رفع العلم الفلسطينى على محطة كهرباء الشيخ زويد المصريه أبان فتح الحدود
إن مئات الألوف الذين دخلوا مصر من قطاع غزه فى يناير الماضى عادوا جميعا بعد قضاء حوائجهم الإنسانيه بعد أن ضخوا فى الإقتصاد المصرى مئات الملايين من الدولارات ويعرف القاصى والدانى أن هناك ثقافه متأصله فى الشعب الفلسطينى فى الداخل بعدم ترك أرضه مطلقا وفى الخارج بضرورة العوده مهما طال الزمن , وحتى لو سلمنا بزعم التوطين فإن من الأولى إمداد أهلنا فى غزه بكل مايحتاجون إليه من وقود وطعام ودواء حتى لايتركوا أرضهم وندعم صمودهم فى مواجهة الإحتلال والحصار وليس بتشييد جدار وضرب الأنفاق
وأيهما أولى للأمن القومى المصرى أن تكون هناك دوله إسلاميه مجاوره مع إخوة الدين والعقيده بعمقها الإستراتيجى لمصر أم دوله يهوديه صهيونيه عنصريه تكيد المؤمرات وتهدد الأمن القومى المصرى
ولو سلمنا أخيرا بشرعية عباس فأين شرعية المجلس التشريعى ؟ لكن حرجا ضاربا فى عمق المسئولين المصريين سيحدث لو جاء يوم 9 يناير المقبل وسقطت شرعية عباس وبقيت شرعية المجلس التشريعى بقيادة حماس ولم يفتح معبر رفح بشكل دائم
بل أن هناك مصلحه وبعدا اجتماعيا واقتصاديا لأهالى رفح المصريه فى الفتح الدائم لمعبر رفح , حيث الرواج الإقتصادى الكبير الذى سيعود على رفح المصريه مما يشكل داعما كبيرا للتنميه فى المدينه الفقيره إضافة الى اقتراح بعمل منطقه للتجاره الحره بين قطاع غزه ورفح المصريه , والبعد الإجتماعى يتمثل فى التواصل بين الأنساب والأرحام فى مدينة رفح الواحده المقسمه بين مصريه وفلسطينيه
5 – الإفراج عن الأسرى نتيجة لجهود عباس
وهذه أكذوبة كبرى لأن معظم من أفرج عنهم هم من ذوى المحكوميات المنخفضه التى شرفت على الإنتهاء وليست العاليه ومعظمهم محسوب على فصيل فتح الذى ينتمى إليه محمود عباس بالإضافه إلى أن الكيان الصهيونى يعتقل أضعاف هذا العدد فى فترة وجيزه بدليل زيادة عدد الأسرى العام قبل الماضى إلى 9 آلاف , والعام الماضى إلى 10 آلاف والعام الحالى بلغوا 11 ألفا , والحبل على الجرار , ومايحدث هو مسرحية متقنة الإخراج لتجميل صورة عباس أمام الرأى العام الفلسطينى ودعمه صهيونيا فى مقابل حماس والجهاد ومحاوله يائسه للحاق بشعبية حماس بدليل أن الأسرى المفرج عنهم مؤخرا وهم يتجاوزون 200 أسير كان من المقرر الإفراج عنهم قبل عيد الأضحى غير أن أبو مازن طلب من العدو الصهيونى تأجيل الإفراج حتى انتهاء مهرجان انطلاقة حماس الواحد والعشرين مباشرة لرد الإعتبار لشعبيته المنهاره والتعميه والتغطيه على النجاح الساحق والإستفتاء الشعبى العارم لحركة حماس فى هذا المهرجان
6 – حماس انقلبت على الشرعيه فى غزة
حماس فازت فى الإنتخابات التشريعيه باكتساح وشكلت الحكومه العاشره فكيف تنقلب على نفسها ؟ وظلت تعترف بمحمود عباس رئيسا للسلطه , والحسم العسكرى للتيار الخيانى فىغزة جاء نتيجة دفاع عن النفس فى مواجهة مؤامره كبرى لتصفيتها من قبل الإداره الأمريكية ويمثلها الجنرال دايتون والعدو الصهيونى وأدواتها أفراد من التيار المنفلت الخيانى فى أجهزة أمن السلطه , وذلك بعد حصار حكومة حماس ونزع أغلب صلاحياتها وبخاصة الصلاحيات الأمنيه
7 – تخلى حماس عن المقاومه ومنعها الحجاج من الحج
إن من الأسباب التى رفعت شعبية حماس فى الداخل الفلسطينى هو التمسك بالمقاومه والإلتزام بالجانب الدينى والأخلاقى وهو ماتفتقده فتح الآن حيث جرى تصفية المقاومه الفتحاويه المتمثله فى كتائب شهداء الأقصى وبخاصه فى الضفه وغرق فتح حتى النخاع فى قضايا الفساد وغيرها من الإنحراف الأخلاقى فأرادت أن تفقد حماس ها ذين العزيزين , فشنت حربا ضروسا على اتفاق التهدئه بزعم توقف المقاومه والإتصال بالعدو الصهيونى, وهذا افتراء لم يسبق له مثيل , فليست حماس هى التى قامت بتجريم المقاومه فى الضفه وملاحقتها واعتقال المقاومين , وليست هى التى تجرى مفاوضات عبثيه لا نتائج لها مع العدو الصهيونى وليست هى التى وصفت صواريخ المقاومه بالعبثيه أو وصفت عمليات المقاومه بالحقيره , بل فعل هذا ويفعله كل يوم أبو مازن وفريق السلطه الفتحاوى فى رام الله , ويجيز الشرع الإسلامى التهدئه أو الهدنه مع العدو لتحقيق مصلحة آنيه لمزيد من الإستعداد للقتال - وليس توقف - القتال وترتيب الصفوف ومتانة الوضع الداخلى بدليل أن العدو الصهيونى هو الذى يخرق هذه التهدئه لإدراكه زيادة قوة المقاومه
ولتشويه الجانب الدينى والأخلاقى , دبروا مؤامرة منع الحجاج من الخروج للحج واتهموا حماس بالخروج عن الدين بهذا الإجراء الشنيع , والحقيقه أن حجاج غزه الذين فازوا بالقرعه الشرعيه هذا العام لم يتسلموا التأشيرات ككل عام وتسلمتها سلطة عباس فى رام الله بدعم سعودى وتاجرت فيها بملايين الدولارات بالإضافه لإغلاق معبر رفح الذى لم يعلن عن فتحه للحجاج سوى فى الإعلام فقط
8 – مايحدث من إنقسام داخلى هو صراع على السلطه بين فتح وحماس
وهذه أكبر المغالطات على الإطلاق لأن الصراع القائم هو بين برنامجين ومشروعين , مشروع اسلامى يتادى بالمقاومه وتحرير فلسطين وعدم الإعتراف بالعدو تمثله حماس , ومشروع علمانى موالى للمشروع الصهيونى الأمريكى الذى يريد تصفية القضيه الفلسطينيه ومايحدث فى غزه هو جزء من هذا الصراع ومرتبط بالقدس والأقصى والضفه المحتله وأراضى فلسطين التى احتلت عام 48 , بل مرتبط بالصراع بين المشروعين حتى خارج فلسطين , وتخلى حماس عن السلطه الشرعيه معناه تصفية المقاومه وضربه للمشروع الوطنى والإسلامى
خلاصة القول
أن الكل فى مأزق عدا حماس لأنهم جربوا كل السبل والحيل للإلتفاف والإنقضاض عليها وعلى المقاومه فلم يفلحوا , أما الإداره الامريكيه فهى فى مأزق نتيجة لتغير الإداره والأوضاع المترديه فى العراق وأفغانستان وفشل التسويه فى الشرق الأوسط والأزمه الماليه الخانقة , والكيان الصهيونى فى أزمة قياده وتفكك داخلى وتحت نيران المقاومه والقنبله الديموجرافيه المتمثله فى زيادة السكان العرب فى مقابل اليهود , ومحمود عباس فى أزمة انتهاء ولايته فى 9 يناير 2009 والإنقسام الحاد فى الصف الداخلى الفتحاوى فى صراع على السلطه والنفوذ وحتى النظام المصرى فى مأزق بسبب إنتهاء دوره فى التأثير الدولى والإقليمى وتردى الأوضاع الداخليه واشتراكه فى الحصار على غزة , ناهيك عن التحديات والمخاطر التى تهدد الأمن القومى المصرى والإضطرابات مع البددو فى سيناء
أما عن المستقبل
فسوف تبقى الضغوط وتزداد على القطاع وحركة حماس حيث ستنتهى بتداعيات تنتج عن تخفيف الحصار وزياده فى قوة المقاومه وتوحش الكيان الصهيونى مع احتمال إنهيار سلطة أوسلو والتراجع العام فى مشروع التسويه مقابل زياده فى قوة مشروع المقاومه والممانعه , وتراجع الدور المصرى والاردنى
د محمد يوسف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق