السبت، أبريل ١٧، ٢٠١٠

براءة الذلة


براءة الذلة
لم يدر بخلدى مطلقا أننى على موعد مع العذاب البيروقراطى حين قررت تجديد رخصة القيادة ولم أعلم أن المسألة ستكون بهذه الصعوبة البالغة التى تتطلب صبرا لاحدود له وتحمل للإيذاء لامثيل له , فقد بدأت أول الخطوات لتجديد رخصة القيادة بالتوجه الساعة التاسعة صباحا يوم الخميس 15 – 4 – 2010 لمحكمة المنزلة التى تبعد عن مقر سكنى بمدينة الكردى ب حوالى 20 كم , وبعد عناء سألت عن استخراج براءة الذمه فقيل لى الزم طابورا للوصول للكومبيوتر للكشف عن مخالفات مرورية لك وبعد عناء ووقت طويل وصلت للمبتغى حيث أعلمنى الموظف اننى لايوجد علىّ غرامات أو مخالفات وبعد أن شكرته فاجأنى بأننى لكى أحصل على براءة الذمة علىّ التوجه لمركز شرطة المنزلة خارج مدينة المنزله بمنطقة تسمى المنزلة الجديده تبعد حوالى 3 كم عن المحكمه , وبعد استغراب وسؤال استنكارى لماذا أذهب لمركز الشرطه وبراءة الذمه عندكم هنا , قال الموظف التعليمات هكذا , فحمدت الله أننى أملك سيارة سأتوجه بها مسرعا لمركز الشرطه وعند وصولى باب المركز وجدت طابورا آخر للداخلين فسألت لماذا هذا الطابور ؟ فقالوا لى لابد أن تسلم هاتفك المحمول على الباب فالهواتف المحموله ممنوع دخولها فلما تعجبت من هذا الصنيع ! سألت : ماهى المشلكه فى الدخول بالمحمول فربما أحتاجه ؟ قال الموظف تعليمات , وبعد تركى محمولى توجهت للدور الثانى حيث طابق المباحث الجنائية وعند وصولى للموظف فوجئت بطلبه منى بأن أذهب للمرور وآتى بورقة براءة الذمه وهو سيقوم بملئ البيانات , وحمدت الله أن المرور بجوار المركز بحوالى نصف كيلو فقط فأخذت محمولى وذهبت للمرور وحصلت على الورقه وعدت فتركت المحمول وصعدت للدور الثانى فى المركز وبعد كتابة البيانات فى الورق طلب منى الموظف أن أعود بعد الظهر وكانت الساعة العاشرة صباحا ولما سألته لماذا الانتظار ساعتين ونصف قال لى أن ضابط المباحث لايأتى الآن وربما لايأتى اليوم فيكون الأمر معلقا ليوم السبت , فسألته وماعلاقة ضابط المباحث بالموضوع قال لابد من توقيعه على براءة الذمة , فقلت حسنا هكذا نأخذ البراءه, فضحك الموظف ساخرا وقال لا , سأيتوجه هو بعدها للمحكمة للكشف على البراءه بالكومبيوتر ثم العودة الى هنا , فقلت له كنا هناك وكشفنا فلماذا لايعطوننا البراءة مباشرة ولاداعى لتمريرها هنا , قال تعليمات .
جلست على القهوه المقابله للمركز حيث لازال هناك ساعتين ونصف عن الموعد الذى ضربوه لى فشربت كوبا من الشاى وربع الكوب ملئ بتفل الشاى ولاأدرى لماذا ؟ وتناولت بعض القطع من البسكويت , لكننى اضطررت لمغادرة المقهى بسبب البدأ فى التخين من قبل مجموعة من المواطنين
وكانت فرصه لقراءة الورد القرآنى اليومى وأنا داخل سيارتى على الرغم من شدة الضوضاء والضجيج وبعد صلاة الظهر كانت الساعة قد ناهزت الثانية عشرة وتركت المحمول على الباب وصعدت الدور الثانى لاستلام البراءة ولكنهم قالوا لى أنا ومجموعة كبيرة من المواطنين أن الموظف لازال فى المحكمة انتظروا حتى يأتى
فانتظرنا أكثر من الساعة حتى الثانية الا ربع بعد الظهر حتى جاء الفرج ومعه الموظف فخلته سيوزع علينا براءة الذمه وأنا شغف لاستلامها ولكنه فاجأنا بأنه لابد أن يوقع المأمور على هذه الأوراق وتختم , فقلت بسيطه آخر خطوه , غاب الموظف لفتره داخل غرفة المأمور وخرج ينادى علينا كل باسمه لاستلام براءة الذمه وكل فرد ينادى عليه يقوم هذا الفرد بإعطائه خمس جنيات ظننت أنها رسوم البراءة فأردت أن أتأكد من ذلك بسؤال أحد المواطنين ولكنه عمز بعينيه ففهمت أن الأمر خارج السياق المعهود , فحمدت الله على البراءه وقلت أذهب لعلى ألحق بموظفى المرور لكن المفاجأة المدوية التى نزلت علىّ كالصاعقه وهو أن الموظف قال لنا اذهبوا للمحكمة لكى تختموا البراءة بخاتم النيابة , فعدت للمحكمه بقلب مدينة المنزله أجر أذيال الخيبه وأنا محبط وتنفست الصعداء عند وصولى للموظف المسئول عن خاتم النيابه ولكنه أذهلنى حين طلب منى التوجه لموظف الكومبيوتر مره أخرى , فابتسمت وقلت له لا لا , لقد انتهينا من كل شئ ولم يعد الا الخاتم , فضحك هو الآخر وقال أعلم, اذهبوا فقط لموظف الكومبيوتر للحصول على توقيعه فقط ,فكدت أسقط على الأرض لكن رجلا مسنا طيبا قال آتنى ببراءتك وسأقف أنا فى الطابور وأحصل على توقيع الموظف لى ولك , وفعل , وحصلنا بحمد الله على الخاتم الأخير وقررت التوجه بسرعة مره أخرى لمرور المنزله بالمنزلة الجديده فى تمام الساعة الثانية والربع لكن الموظفين بدأوا فى الرحيل فقمت بالدخول للضابط مدير المرور ورجوته بأن يأخذ البراءة منى لاستكمال الاجراءات فقال لى الخزانه أغلقت تأتى يوم السبت فلما شكوت له من الحال فقال لى من أين أنت فقلت من الكردى فقال يارجل أنت قريب جدا من المنزلة ( 20 كم ) تعالى السبت
انها براءة الذلة وليست براءة الذمه حيث البيروقراطيه والروتين الحكومى اللتان يشيب منهما الولدان وأحسب أن هناك بعدا غير الفساد والتخلف وسوء الادارة فى البلد وهذاالبعد ينتمى لنظرية المؤامره
فحواه أن يظل المواطن المصرى مشغولا ومهموما بقضاء حوائجه كعب دائر فى المصالح الحكوميه حتى لايفكر مطلقا فى أمور وطنه ولايفكر فى الاصلاح ولايوجد لديه وقت فى المشاركه السياسية والمجتمعية بجديه
فمتى نخلع الذله ولباس اليأس الى العيش بحرية وكرامه وانسانيه ؟
د محمد يوسف

ليست هناك تعليقات: